2022-07-26 17:43:45
-
أنثويات .
" رحلة فستان "..
(١)
تبدأ القصة عندما تقف صبيةٌ في بداية حملها أمام واجهةٍ لمحلاتِ بيعِ ثياب الأطفال وهي تضع يدها على بطنها المنتفخ بالكاد.. وتتخيّل..
تحلمُ الصبيةُ أن يكون مولودها الأول طفلةً صغيرة ، لأنها ترى هناك في الزاوية اليسرى فستاناً ملوناً كربيعٍ في أوج غروره ..
تتمنى أن يكون حملها طفلاً ذكراً ..لكنها وعندما تحلم ، تحلمُ بالطفلة لأجل فستان ، أو تحلم بفستان لأجل طفلة ..
هناك في واجهة المحل ، تبدأ حكاية الفستان ..
هناك في الواجهة الزجاجية قد تصير الأحلام حقيقة
(٢)
أيُّ لحظة لا تنسى تلك التي يشتري فيها الوالدان أولَ فستان لابنتهما بعد شهور من ولادتها..
تتحركُ في المنزل رياحٌ ناعمة من السعادة والأنوثة ، وينفتح في سقف روحيهما طاقةٌ سماوية..
أول فستان ترتديه أنثى ، تعرف به وتشعر.. تلتفت إليه بعيون المفاجأة والامتنان والدهشة..
إنه دعوة مبدئية للجمال لا يمكن رفضها .. و فرشاةٌ في يد الأنوثة لا يمكن الرسم بدونها
(٣)
فرصةٌ استثنائية أخرى ، قد تتفوق على لحظة الشراء وهي متعة تعليقه في خزانة، بجانب بعض ثيابها المعطرة.. يصير فجأة كشمس الشموس تضيء المكان كله ..
" لا ظلام بعد اليوم في خزانة مغلقة ، ففستان ابنتي فيها " تقول أم في قلبها
(٤)
الأم تمدّ الثياب المغسولة على الحبل فتقع يدها على فستان ابنتها ..
منهنَّ .. من تفرده على طوله وتضحك في قلبها
ومنهنَّ .. من تعلقه على الحبل ، ثم تشمّهُ وتقبّله
ومنهنَّ .. من تضعه رطباً على صدرها .. و تضع يد حول الخصر وأخرى على الذراع.. كمن يراقص صبية
" فستان طفلة على حبل غسيل .. هو ضوء يدل الهواء العابر إلى سبيله" تقول شجرة تين عتيقة في الحديقة
(٥)
لماذا تحب طفلةٌ فستاناً أكثر من فستان .. لماذا تميّزه عن غيره من الثياب..؟
الفستان الأجمل في نظر طفلة هو الذي يسمح لها بالدوران .. الدوران الذي يهيؤ للطيران .. والطيران الذي يأخذ إلى أرض الأحلام
الفستان الأجمل هو الفستان الذي يصنع دائرة حولها .. دائرةً لها .. توسع مساحة الحرية حولها .. وتقول للكون المحيط .." لي منك على الأقل ما يصنعه جنون فستاني"
(٦)
فستان الصبية أنوثةٌ لأخيها وأبيها .. وبقيةٌ لحلم أمها..
عندما تخرجُ الصبية الجميلة من منزلها صباحاً ، وهي تلبس فستانها الخمري الغامق ذو الشريطة الخضراء الفاتحة اللون ، ينظر الأب في عيون زوجته ويقول :" لقد كبرت ابنتنا .. فستانها بات يُطيّرها!!" لكي لا يقول :" سقالله أيامك يا إمرأة"
لترد عليه " هل رأيت كل هذا الجمال ؟" لكي لا تقول :" لا فتاة أجمل منها!!"
فستانها الخمري ذو الشريطة الخضراء الفاتحة اللون هو التعبير الأكثر مادية عن الروح الأنثوية .. لذلك فإنه وعندما خرجت من البيت نقص الأوكسجين في الهواء .. وضاق المكان بعناصره
(٧)
من فستان لا يتجاوز ال ٥٠ سنتمتراً إلى فستان لا تسَعُه خزانة ..واسع كبير ممتد كجذور شجرة.. كبحر.. كضوء البدايات
فستان زفافها العظيم .. هو تماماً كالقناديل التي تحتاج لأعلى العلوّ.. وتحتل كنظرة عاشقةٍ مساحة الزمان والمكان
تدخل أمها غرفتها .. ترفع رأسها تراقب الفستان المعلق في ثريا المنزل .. تلمسه وتقول:" كروحٍ قدس ينكسب الجمال علينا.. كحمامة نطير "
(٨)
تنتهي القصة عندما تقف صبية في بداية حملها أمام محل لبيع الثياب .. تضع يداً على بطنها و أخرى في يد زوجها .. وهما يختاران سوية فستان الحَمْل المناسب..
يضحك عليها و هي تقف أمام مرآة المحل تجرب فستانها ويقول :" بهكذا فساتين لن يمكنك الدوران طويلاً ولا الطيران بعيدا".
- رفيف
المهنا.
507 viewsMaya Barakat, edited 14:43