Get Mystery Box with random crypto!

قبل أسابيع؛ وقبل أن أجري عملي الجراحي الأخير، كنتُ جالسًا في أ | قناة محمد ديرانية

قبل أسابيع؛ وقبل أن أجري عملي الجراحي الأخير، كنتُ جالسًا في أحد مقاهي اسطنبول، مقهى تركي، فأصابني دوار، فاتصلت إدارة المقهى بالمشفى مباشرة وقالوا: "صديقنا السوري فقد وعيه تعالوا بسرعة إلى المكان الفلاني"، كان ذلك آخر ما سمعتُه قبل أن يُغمى عليّ.

وبغضون 5 دقائق وصلت سيارة الإسعاف، واستفقتُ بعد قليل لأجد نفسي داخلها إلى جوار ثلاثة مُمرضين شباب .. أحدهم فوق رأسي والآخران عن يميني وشمالي، وقد بدت عليهم اللهفة جميعًا وسارعوا لإجراء الفحوصات الرئيسية ..

لم تكن أصولهم اسطنبولية، لا أدري ما الذي أشعَرني بذلك، ربما لأن لهفتهم كانت لهفة ريفية، بأية حال .. عرفتُ بعد قليل أنهم من ولايتين .. أقصى شرق وأقصى شمال تركيا برغم أن ملامحهم كانت اسطنبولية؛ فاتني أن أذكر أن مالك المقهى وسائر من فيه أصولهم شركسية، أي أن أجدادهم من المهاجرين، وقد كانوا هم أيضًا ملتفين حول سيارة الإسعاف يتابعون ما يجري بلهفة وأدهشني أنهم عرفوا مباشرة بأن الممرضين ليسو من اسطنبول إذ سألوهم بعد أن استقرت حالتي "من أي ولاية أنتم يا شباب؟".

شركسيون من القوقاز هجّرتهم روسيا قبل قرون، بعضهم من كازاخستان وبعضهم من أذربيجان، أتراك من أقصى شرق وأقصى شمال تركيا جاؤوا للعمل في اسطنبول، وأنا السوري الذي هجره النظام؛ المشترك بيننا جميعًا أننا مهاجرون؛ أرواحنا مغتربة عن المكان؛ جذورنا من أمكنة مختلفة لكننا نبتنا وكبرنا هنا؛ لأرواحنا كيمياء مشتركة .. لقد ميّزت الأرواح بعضها عند أول لقاء ..
كما لو أنه قد كُتِب على جبيننا "مهاجر بلا جذور" وأنها كلماتٌ لا يراها أو يقرؤها إلا مهاجر آخر، وروح تعيشُ في غربة.

جميعنا يعرفُ أن بعضَ من يمارسون العنصرية ضد السوريين في تركيا ليسو أتراك أصليين، والمهاجر الذي يمارس العنصرية ضد مهاجر آخر لا يتوقفُ جرمُه على فساد أخلاقه فحسب؛ بل لكونه تنكَّرَ لسردية المعاناة التي يفترض أن يشترك بها سائرُ من يحيون في أرضٍ لم يُخلقوا من طينتها؛ سائر المهاجرين، الذين أكُرِهوا على أن ينبتوا في أرضٍ غير أرضهم.
#محمد_ديرانية

رابط القناة:
@MDdirania