اتَّفَق الرُّسُلُ جميعًا على الإخبارِ بأشياءَ مُعَيَّنةٍ ، ومِن ذلك : دَعوتُهم جميعًا إلى عبادةِ إلهٍ واحِدٍ ، وكذلك بِشارةُ موسى وعيسى برِسالةِ رَسولِنا محمَّدٍ ، عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ ، مِن غيرِ تَواطُؤٍ منهم على الاتِّفاقِ على ذلك ، مع بُعدِ الأزمِنةِ والأمكِنةِ ، وقد قَصَّ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبارَ الأُمَمِ الماضِينَ مع القَطْعِ بأنَّه كان يَعيشُ في أمَّةٍ أمِّيَّةٍ ، وأخبَرَ في القُرآنِ والسُّنَّةِ بأُمورٍ تَقَعُ في المُستَقبَلِ ، فوقَعَت كما أخبَرَ.
فممَّا ورد في القُرآنِ قولُه تعالى : {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 1-4] فكان كما أخبَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ.
وممَّا ورد في السُّنَّةِ ما جاء عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال : ((إذا هَلَك كِسْرى فلا كِسْرى بَعْدَه )) أخرجه البخاري ، فكان الأمرُ كما أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
والأخبارُ في هذا كثيرةٌ يَحصُلُ بمَجموعِها العِلمُ الضَّروريُّ اليَقينيُّ ، وهي تدُلُّ دَلالةً واضِحةً على صِدْقِ نُبُوَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، وعلى وُجودِ الخالِقِ سُبحانَه ؛ لأنَّه هو الذي أطلَعَه على ذلك ، فلا يُعقَلُ أن يخبِرَ بأشياءَ يَصدُقُ فيها دائمًا إلَّا إذا كان نَبيًّا ، وكان الذي أوحى إليه هو من بيَدِه كُلُّ شَيءٍ ، وتتطابَقُ أخبارُه مع أقدارِه .
ثانيًا : الأحكامُ المتضَمِّنةُ لمصالحِ الخَلْقِ :
فقد تضَمَّنت الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ حِكَمًا ومَصالِحَ عظيمةً يَقطَعُ الإنسانُ أنَّها لا يمكِنُ أن تكونَ إلَّا من خالقٍ عليمٍ حكيمٍ ؛ فالشَّريعةُ جاءت لتَحصيلِ المصالِحِ وتَكميلِها ، ودَرْءِ المفاسِدِ وتَقليلِها.