2023-04-15 16:03:42
#قصيدة_الخطاب
@nizar_alqabbani
أوقَفوني
و أنا أضحكُ كالمجنونْ وحدي
من خطابٍ كانَ يلقيهِ أميرُ المؤمنينْ
كلّفتني ضحكتي عشرَ سنينْ
سألوني و أنا في غرفةِ التحقيقْ
عمّن حرّضوني
فضحِكتْ
و عن المالْ و عمّن موّلوني
فضحِكتْ
كتبوا كلَّ إجاباتي و لم يستجوبوني
قالَ عنّي المدّعي العامْ و قالَ الجندُ حينَ
اعتقلوني :
إنني ضدَّ الحكومَهْ
لم أكنْ أعرفُ أنَّ الضحكَ
يحتاجُ ، لترخيصِ الحكومَهْ
و رسومٍ و طوابعْ
لم أكنْ أعرفُ شيئاً عنْ
غسيل المخ أو فرم الأصابعْ
في بلادي
ممكنٌ أن يكتبَ الإنسانُ ضدَّ ****
لا ضدَّ الحكومهْ
فاعذروني
أيّها السّادةُ إنْ كنتُ ضحِكتْ
كانَ في وديَ أنْ أبكي و لكنّي ضحِكتْ
كُنتُ بعدَ الظهرِ في المقهى و كانَ البهلوانْ
يلبسُ الطرطورَ بالرأس
و يلقي كلَّ (ما يطلبهُ المستمعونْ)
عنْ حزيرانَ الذي صارَ معَ الأيام
(ما يطلبهُ المستمعونْ)
و احتفالاً مثلَ عيد الفطر و الأضحى
أراجيحَ و كعكاً و فطائرْ
و زياراتِ مقابرْ
كنتُ أسترجعُ أفكاري و كانَ المخبرونْ
كالجراثيمْ على كلِّ الفناجينِ
و في كلِّ الصحونْ
كنتُ أصغي ، كألوفِ البسطاءِ الطيّبينْ
لكلامِ البهلوانْ
و هوَ يحكي ، ثمَ يحكي ، ثمَ يحكي
مثلَ صندوقِ العجائبْ
و تذكّرتُ ليالي رمضانْ
و أرجوازَ الذي كانَ له ألفُ لسانٍ و لسانْ
و تذكّرتُ فلسطينَ التي صارتْ حقيبهْ
ما لها في الأرض صاحبْ
كانَ في حنجرتي ملحٌ
و حزني كانَ في حجمَ الكواكبْ
فاعذروني ، أيّها السّادةُ
إنْ حطّمتُ صندوقَ العجائبْ
و تقيّأتُ على وجهِ أميرِ المؤمنينْ
و كبيرَ الياورانْ
و استرحتْ
كانَ في وديَ أن أبكي و لكنّي ضحِكتْ
نشروا في صحفَ اليوم تصاويري
على أوّلَ صفحهْ
و اعترافاتي على أولَ صفحهْ
فضحِكتْ
قدّموني للإذاعات طعاماً
و لأسنان الصحافهْ
جعلوني ، دونَ أن أدري خُرافهْ
ربطوني بالسّفارات و أحلافَ الأجانبْ
فضحِكتْ
إنني لم أشتغلْ من قبلُ
* *** *
و لا كنتُ حصاناً للأجانبْ
أنا عبدٌ من عبادِ الله
مستورٌ و مغمورٌ و محدودُ المواهبْ
أسمعُ الأخبارَ كالناس
و أستقبلُ مأمورَ الضرائبْ
زوجتي طيّبةُ القلب و عندي ولدانْ
و أبي حاربَ ضدَّ التُركْ في الشام و ماتْ
أنا لا أفهمُ في النحوِ و في الصرفِ
و في علمِ الكلامْ
غيرَ أني لم أعدْ أفهمُ
من بعد حزيرانَ ، الكلامْ
لم أعدْ أهضمُ حرفاً
من أكاذيبِ أمير المؤمنينْ
صارت الألفاظُ مطاطاً
و صارت لغةُ الحكّامِ صمغاً و عجينْ
خدّروني بملايينَ الشعارات ، فنمتْ
و أروني القدسَ في الحلم
و لم أجدُ القدسَ و لا أحجارَها حينَ استفَقتْ
فاعذروني أيّها السّادةُ ، إن كنتُ ضحِكتْ
كانَ في وديَ أن أبكي و لكنّي ضحِكتْ
كنتُ في المخفرِ مكسوراً ، كبللور كنيسهْ
نافخاً (سورةَ ياسينْ) بوجهِ القاتلينْ
لم أكنْ أملكُ إلا الصبرْ
(و اللهُ يحبُّ الصابرينْ)
و جراحي ، كبساتينِ أريحا
يمطرُ الياقوتُ منها و يضوعُ الياسمينْ
و فلسطينُ على الأرض ، حمامهْ
سقطَتْ تحتَ نعالِ المخبرينْ
كنتُ وحدي ، لم يزُرْني أحدٌ في السجنْ
إلا جبلُ الكرملِ و البحرُ و شمسُ الناصرَهْ
كنتُ وحدي و ملوكُ الشرقْ
كانوا جُثثاً فوقَ مياهِ الذاكرهْ
كنتُ مجروحاً و مطروحاً على وجهي
كأكياسِ الطحينْ
أيّها السّادةُ : لا تندهشوا
كلّنا في نظرِ الحاكمِ ، أكياسُ طحينْ
كلّنا ، بعد حزيرانَ خِرافٌ
نتسلّى بحشيشَ الصبرْ
(و اللهُ يحبُّ الصابرينْ)
فأطالَ اللهُ في عمرِ أميرَ المؤمنينْ
نائبَ الله على الأرضْ كبيرَ العادلينْ
أيّها السّادةُ :
إني وارثُ الأرضَ الخرابْ
كلّما جئتُ إلى بابِ الخليفهْ
سائلاً عن (شرم الشيخ) و عن (حيفا)
و (رامَ الله) و (الجولانِ) أهداني خطابْ
كلّما كلّمتُهُ ، جلَّ جلالُهْ
عن حزيرانَ الذي صارَ حشيشاً
ًنتعاطاهُ صباحاً و مساءْ
و احتفالاً مثلَ عيد الفطر
و الأضحى و ذكرى كربلاءْ
ركبَ السيّارةَ المكشوفةَ السقف
و غطّى صدرهُ بالأوسمهْ
و رشاني بخطابْ
كلّما ناديتُهُ :
يا أميرَ البرّ و البحرَ و يا عالي الجنابْ
سيفُ إسرائيلَ في رقبتِنا
سيفُ إسرا ، سيفُ إسـ
ركبَ السيّارةَ المكشوفةَ السقف
إلى دارَ الإذاعهْ و رشاني بخطابْ
و رماني بينَ أسنانَ الجواسيسْ
و أنيابِ الكلابْ
فاعذروني أيّها السّادةُ ، إنْ كنتُ كفرتْ
وَصَفوا لي صبرَ أيّوبَ دواءً ، فشربتْ
أطعموني ورقَ النشّاف ، ليلاً و نهاراً، فأكلتْ
أدخلوني لفلسطينَ على أنغام
(ما يطلبهُ المستمعونْ)
أدخلوني في دهاليزِ الجنونْ
فاعذروني أيّها السّادةُ ، إن كنتُ ضحكتْ
كان في وديَ أن أبكي و لكنّي ضحِكتْ
#نــــزار_الــقــبــانــــی
@nizar_alqabbani
810 viewsالجِنِرالِ الاَخيرْ مِنَ الحِقبَةْ النَزّاريَةْ, 13:03