2022-08-01 16:13:01
.
قصة حقيقية".
بمناسبة نتائج التوجيهي أنا خلصت توجيهي سنة ۱۹۸۰ بمرتبة ناجح، في قرية ما كانوا أهلها يحبوا التعليم، ولا حتى يقدروا عليه لو حبوه.
حصلت على منحة وطلعت أدرس طب، وغبت ست سنين ورجعت طبيب.
خلال الفترة اللي كنت أدرس فيها، أخوي اللي أصغر مني ترك المدرسة وراح يشتغل في مصنع تغليف بيض في الداخل، براتب عالي جدا، بدون العلاوات والمكافآت والسرقة. خلال سنتين شغل كان عنده بيت شبيه بالفيلا وسيارة بي إم دبليو، وأي سهرة من سهراته بتكلفة 500 دولار.
المهم أنا رجعت من الغربة وما معي نص دولار، بس معي شهادة.
استدنت من أخوي شوية فلوس واستدنت من أصحابي وأخذت قرض من بنك القاهرة عمان، وفتحت عيادة في قريتنا. في اشباط ۱۹۹۲ کنت أول طبيب يمارس مهنة الطب في القرية اللي ما بتحب التعليم.
أنا فتحت العيادة من هون وبلشت الخوازيق من هون، أو كان شكلي الطفولي أيامها ما بيوحي إني طبيب، فكانت المريضة تدخل وتسألني: يا ابني، الدكتور موجود؟ ولما تسمع الإجابة تلف وترجع. ثانية نص مرضاي كانوا من الأقارب اللي عيب توخذ منهم أتعاب، والنص الثاني من أصحاب الطفولة اللي أنا ناسيهم أصلا، بس بما إنها "المونة" في القرى هي المعيار الأول للعلاقات، فكان لازم كل يوم أسمع جملة من نوع "والله صرت دكتور یا مقلعط"، "يا عمي کبر ونسينا"، "متذكر لما كنا ننزل عالسهل في الليل نسرق فقوس"، "يا أخي مش طالعة مني أناديك دكتور"، وهكذا. وثالثا قريتنا فقيرة وما حدا بروح عالدكتور إلا الما يمر عليه أسبوع مش عارف ينام من الوجع.
بلا طول سيرة ومبررات، اللي بدي أقوله إنه أول ٦ شهور ما اشتغلت بسعر الدخان اللي بدخنه، في قريتنا اللي ما بتحب التعليم. يوم من هذيك الأيام أجت على القرية صحفية مشان تعمل تقرير عن التعليم وعن عزوف الشباب عنه، وتفضيلهم للعمل في الداخل.
طبعا أنا لا شفت الصحفية ولا سمعت عنها، بس هي بالصدفة التقت بأخوي وسألته ليش ما درس جامعة؟ ومع إنه أخوي كان عنده ألف جواب يقدر يستخدمهم، وأولهم إنه ما كان شاطر في المدرسة، إلا إنه فضل يضربني مثل. حكالها: وليش أتعلم؟ هاي عندك أخوي الدكتور عامر بوخذ مصروفه مني.
والله يمكن أنا الوحيد في القرية اللي كان يشتري الجريدة أيامها، اشتريت هالعدد وقعدت أتصفحه، وإلا إسمي موجود فيه كمثال اللفشل.
يعني فضيحتي حرفية صارت ع صفحات الجرايد. بعد هالحادثة بعت العيادة، وأخذت قرض جديد من البنك، ورحت فتحت عيادة في رام الله. مدينة ما كنت أعرف فيها حدا عالإطلاق، بس المنافسة فيها بتعتمد على انت شاطر أو مش شاطر.
ما بنكر إني عانيت لحق سددت ديوني والقروض اللي أنهكوني. وبعد ع سنين بلشت حياتي الحقيقية في الطب. أيامها كتبت أول مقطع بالعامية، وواضح إنه كان مبني على عقدة نقص:
بتدللي عالحب؟
بطلعلك انت جميلة
وأغنيا أهلك.
لكن أنا يا حلوة الحلوين
بلشت من تحت الصفر بأربع سنين
ومهما تعبث مش راح أوصلك.
بعد 30 سنة من العمل في الطب بقدر أحكي إنه ما عندي إجابة مضمونة وواثقة على سؤال التعليم، في بلادنا تحديدا. لأنه في السنوات اللي كنت أحقق فيها نجاح مالي بسبب الطب، كنت أتساءل: معقول هذا هو اللي بدي اياه؟ وكنت أهرب للعمل الثقافي والسياسي. ولما أشبع من "رأس المال المعنوي" بتعبیر حسن خضر، كنت أشتاق اللفلوس وأرجع للطب. بس اللي أنا متأكد إنه أحد أسباب سعادتي هو إني مش عارف شو بدي. السعادة الحقيقية تكمن في التجريب، لا في الشهادات ولا في الفلوس.
فيا عزیري طالب التوجيهي: تعلمت والا ما تعلمت، حققت فلوس والا حققت شهرة، معك شهادات والا معك بي إم دبليو، تذكر إنك رح تعیش ۷۰ سنة، وهذا رقم ما إله معي إذا بتقضيه في مكان واحد وفي فكرة واحدة. وصدقني فضيحة واحدة في حياتك مش غلط تكون. مبروك إلك وقوفك على أول درجة في سلم المجهول."
#دراسة
351 viewsهنو , 13:13