2020-10-25 08:27:12
﷽ سؤالٌ في رَوْضَةِ الْفِقْهِ:
السّؤال رقم 1077:
ما هو الوجه في احتياط بعض الفقهاء بقضاء صلاة الصبح قبل أداء صلاة الظهر؟ (البحرين)
الجواب: _
☆ نلفتُ النظر في البداية إِلَى ما يمكن أنْ يقع فيه الالتباس في هذه المسألة؛ حيث قد يُظَنّ أَنَّ هذه المسألة هي المعروفة بين الفقهاء تحت عنوان (المواسعة والمضايقة)، والذّي صنّف فيها الكثير من أهل العلم رسائل مستقلّة. إِلَّا أَنَّ هذا التوهم فاسدٌ؛ وذلك لأنّ البحث في قضاء الفائتة تارةً من ناحية الوجوب الشرطي بالنسبة إِلَى فريضة الوقت، بمعنى أَنَّه هل يعتبر في صحّة الحاضرة (صلاة الظهر في السؤال) تفريغ الذمّة عن قضاء الصلاة الفائتة (صلاة الصبح في السؤال) أو لا؟ وأخرى من ناحية الوجوب النفسي للمبادرة إِلَى القضاء في حدّ نفسه، وإنْ لم يدخل وقت الصلاة الحاضرة بعد، أو أَنَّه موسّع على المكلّف متى ما شاء بشرط أنْ لا يصدق عليه التهاون والاستخفاف؟ ما يدخل تحت عنوان (المواسعة والمضايقة) ابتداء هو البحث الثاني، والمسألة المسؤول عنها هي البحث الأول، وتبحث في العادة تحت عنوان (وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة وعدمه)، وإنْ كان البعض قد تناول كلا البحثين ضمن الحديث عن المواسعة والمضايقة.
⊙ قال صاحب العروة رحمه الله: (لا يجب تقديم الفائتة على الحاضرة، فيجوز الاشتغال بالحاضرة في سعة الوقت لمن عليه القضاء، وإن كان الأحوط تقديمها عليها). في هذه المسألة يوجد أقوال:
+ منها: الوجوب ما لم يتضيّق وقت الحاضرة، وهو المنسوب إِلَى أكثر القدماء.
+ ومنها: عدم الوجوب، وعليه مشهور المتأخرين.
وأرباب القول الثاني، بين من حكم باستحباب تقديم الفائتة على الحاضرة، وبين من عكس فحكم باستحباب تقديم صاحبة الوقت.
وهناك أقوالٌ أخرى فيها تفصيل لا يهمّنا التعرّض لها.
ولكلّ قولٍ من هذه الأقوال ذُكِر له أدلة، فمن حسم الأمر في تلك الأدلة، بنى على ما يراه من الوجوب وعدمه، ومن تردد بينها احتاط وجوباً في المسألة، ومن رجّح أدلة القول الثاني، احتاط استحباباً بتقديم الفائتة على الحاضرة.
⊙ وعمدة أدلة القول بالوجوب يرجع إِلَى دليلين:
+ الأول: التمسّك بأصالة الاشتغال؛ حيث إنَّا نحتمل وجداناً اشتراط صحّة الحاضرة بتقديم الفائتة، ولا يكاد يحصل اليقين بالفراغ عن التكليف اليقيني بالحاضرة بدون مراعاة الشرطية المحتملة.
وأجيب عنه: بأنّ الشكّ في الشرطية بالنسبة للحاضرة يرجع إِلَى دوران الأمر بين الأقل والأكثر، الَّذِي هو مجرى لأصالة البراءة لا الاشتغال. وهذا الجواب مبنيٌّ على عموم جريان البراءة في الأقل والأكثر عند الشك في الشرطية، وعدم اختصاصها بالشك في الجزئية كما هو مقتضى التحقيق على ما ثبت في علم الأصول.
+ الثاني: التسمك بخبر زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام، قَالَ: «إِذَا فَاتَتْكَ صَلَاةٌ فَذَكَرْتَهَا فِي وَقْتِ أُخْرَى فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ إِذَا صَلَّيْتَ الَّتِي فَاتَتْكَ كُنْتَ مِنَ الْأُخْرَى فِي وَقْتٍ فَابْدَأْ بِالَّتِي فَاتَتْكَ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِذِكْرِي﴾ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ إِذَا صَلَّيْتَ الَّتِي فَاتَتْكَ فَاتَتْكَ الَّتِي بَعْدَهَا فَابْدَأْ بِالَّتِي أَنْتَ فِي وَقْتِهَا فَصَلِّهَا ثُمَّ أَقِمِ الْأُخْرَى». حيث إِنَّ الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة في سورة عدم مزاحتمها لوقت الحاضرة يكشف عن دخل ذلك في صحة الحاضرة.
وقد نوقش في هذا الخبر سنداً ودلالة:
ـ المناقشة السندية: عبّر المولى النراقي رحمه الله عن هذه الرواية بالصحيحة (مستند الشيعة إِلَى أحكام الشريعة 7: 283)، وتبعه على ذلك صاحب الجواهر رحمه الله (جواهر الكلام 13: 83)، ووصفها الأستاذ الأكبر البهبهاني رحمه بالقوية (مصابيح الظلام 9: 407). إِلَّا أَنَّ السَّيِّد الخوئي رحمه ضعّفها بالقاسم بن عروة؛ لعدم ثبوت التوثيق في حقّه (موسوعة الإمام الخوئي 16: 175). والقاسم بن عروة هذا ترجمه كلّ من الشَّيْخ والنجاشي، ولم يوثّقاه، إِلَّا أَنَّ الرجل عندنا معتبرٌ؛ لمجموعةٍ من القرائن يقتضي اجتماعها الوثوق باعتباره، كرواية الأجلاء عنه ومنهم ابن أبي عمير والبزنطي، مع كثرة أخباره في كتب الحديث مع عدم القدح به من نقاد الأخبار وعلماء الرجال.
ـ المناقشة الدلالية: أَنَّ غاية ما تدلّ عليه الرواية هو الأمر بتقديم الفائتة على الحاضرة، وهو ظاهرٌ في الحكم التكليفي وجوباً أو استحباباً على تقدير وجود قرينةٍ صارفة، ولا ملازمة بين وجوب تقديم الفائتة والقول ببطلان الحاضرة لو قدّمها على الفائتة. مضافاً إِلَى معارضتها بما يدلّ على الجواز، فيكون الأمر بتقديم الفائتة للاستحباب ليس إِلَّا. والمسألة فيها تفصيل نقداً وإبراماً موكولٌ إِلَى محلّه.
دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
_
للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya
رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah
796 views05:27