2022-06-04 05:14:06
*«بيتَ المَقْدِس»
لله دَرُّك ما سِرُّك*
يَصِفُ الإمامُ عزُّ الدِّين أبو الحسَنِ ابنُ الأَثيرِ حالَ كلٍّ منَ المسلمين والفِرِنْج في أحداثِ فَتحِ بَيتِ المَقْدِس سنةَ ثلاثةٍ وثمانين وخمسِمئة من كتابه «الكامل في التاريخ» (10: 34) فيقول: «ونَصَبَ الفِرِنْجُ على سُور البلد مجانيقَ ورَمَوا بها، وقُوتِلُوا أشدَّ قتالٍ رآه أحدٌ منَ الناس، كلُّ واحدٍ منَ الفريقَين [يعني المسلمين والفِرِنْج] *يَرَى ذلك دِينًا، وحَتْمًا واجبًا،* فلا يَحتاجُ فيه إلى باعثٍ سُلْطانيّ، بل كانوا يَمنَعُون ولا يَمْتَنِعون، ويَزْجُرُون ولا يَنْزَجِرون». انتهى.
قال الله تعالى: ﴿إنّ الله اشترى منَ المؤمنين أنفسَهم وأموالَهم بأنّ لهم الجنةَ يُقاتِلون في سبيل الله فيَقتُلون ويُقتَلون وَعدًا عليه حقًّا في التّوراةِ والإنجيلِ والقرآنِ ومَن أَوْفَى بعَهدِه منَ الله فاسْتَبْشِرُوا ببَيعِكم الذي بايَعتُم به وذلك هوَ الفَوزُ العَظيم﴾ [التوبة: 111].
*ومن لَطيفِ أخبارِ الدِّفاع عن بَيتِ المَقْدِس وتثبيتِ المؤمنين ونَصرِ الصادِقِين:*
ما حكاه الحافظُ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلَانيُّ في «إِنْباءِ الغُمْر بأَبناءِ العُمْر» (4: 234) من أحداثِ سَنةِ تِسعٍ وأربعين وثمانِمئة، وذِكرِ مَقتَلِ مَلِكِ الرُّوم في المعركة، وأنّ عسكرَهم كان أضعافَ عَسكرِ ابنِ عُثمان، *وأنّ النّصرَ الذي حصلَ ما كان على الخاطر،* كما قال الحافظ، ثمّ شَرَحَ الحالَ فقال: «وذلك أنّ الكفارَ كانت لهم مُدّةٌ في التَّجهيز لأخذِ بلادِ السَّواحل منَ المسلمين، والتوصُّل إلى الاستيلاء على «بيت المَقْدِس»، فاجتمعَ منهم مِن جميع أمصارِهم مَن يَستطيعُ القتال، ولم يَشُكُّوا هم ولا مَلِكُ المسلمين في أخذِ السَّواحل وانكسارِ عساكرِ المسلمين، ففتحَ الله للمسلمين بالنَّصرِ بأنّ مَلِكَ الكفّارِ لـمّا رأى قِلةَ عَسْكَرِ المسلمين طَمِعَ فيهم، فحَمَلَ بنَفْسِه وكان شُجاعًا بَطَلا، فقَتَلَ منَ المسلمين عدّةَ أنفُسٍ ورَجَع، ثمّ حَـمَلَ ثانيًا فصَنَعَ ذلك، ثمّ حَـمَلَ ثالثًا فاستقبلوه بالسِّهام، فأصابَه سَهْمٌ فسَقَط، فنَـزَلَ فارِسٌ منَ المسلمين فحَزَّ رأسَه وسارَ به إلى مَلِكِ المسلمين، فنَصَبَ رأسَه على رُمْحٍ ونادَى في الكفّار بقَتل مَلِكِهم، فانْهَـزُموا بغير قتال، وتَبِعَهم المسلمون فبادَرُوهم أَسْرًا وقَتلا، *وصادَفَهم في تلك الحالةِ اجتماعُ عِدّةٍ منَ الوُحُوش الكاسِرةِ على جماعةٍ منَ الغِزْلانِ اجتمَعَتْ في مكان، فثارَ بينَ الفريقَين غَبَرةٌ عظيمة، وظنَّها الكفارُ نَجْدةً من بلاد المسلمين من مصرَ أو غيرِها، فاشتدَّ رُعْبُهم وانهَـزَموا لا يَلْوِي أحدٌ على أحد، واشتدَّ الغُبارُ فقَتَلَ بعضُهم بعضًا*، وكَفَى الله المؤمنين القِتال». انتهى.
قال الله تعالى: ﴿ثمَّ أَنْزَلَ عليكم مِن بَعدِ الغَمِّ أَمَنةً نُعاسًا يَغْشَى طائِفةً منكم وطائِفةٌ قد أَهَمَّتْهُمْ أنفسُهم يَظُنُّون بالله غيرَ الحقِّ ظَنَّ الجاهليّةِ يقولون هل لنا منَ الأمرِ من شيءٍ قُلْ إنّ الأمرَ كلَّه لله يُخْفُونَ في أَنْفُسِهم ما لا يُبْدُون لكَ يقولون لو كان لنا منَ الأمرِ شيءٌ ما قُتِلْنا هاهنا قُلْ لو كُنتُم في بيوتِكم لَبَرَزَ الذين كُتِبَ عليهمُ القَتْلُ إلى مَضاجِعِهم وَلِيَبْتَلِيَ الله ما في صُدورِكم وَلِيُمَحِّصَ ما في قلوبِكم والله عليمٌ بذات الصُّدُور﴾ [آل عمران: 154]
كَتَبَه: الدكتور أمجد رَشيد
عميدُ كلية الفقه الشافعيّ
ليلةَ السَّبت 4/ذي القَعدة/ 1443هـ
4/ 6/ 2022م
https://t.me/shafiahsha
115 views02:14