Get Mystery Box with random crypto!

واشترينا أول أثاث عرفناه لبيتنا .. وكان مرتبة من الاسفنج ووساد | 🌹🕊↜شــ❁ــذى الـعـبـرات↝🌹🕊

واشترينا أول أثاث عرفناه لبيتنا .. وكان مرتبة من الاسفنج ووسادتين ومكتبا خشبيا صغيرا وكرسيين ووابور بوتاجاز وبرادا وكوبين وحلتين فقط لا غير !.

وفي هذا العش الهادئ عشنا حياتنا سعداء بوجودنا معا لا يزعجنا فيه شئ سوى كثرة الفئران والحشرات .. وكانت زوجتي قوية الإرادة فتعاهدنا أن نبني حياتنا دون مساعدة من أحد .. وكانت أيضا مدبرة فكان مبلغ الخمسة والخمسين جنيها التي تتبقى لنا بعد دفع الإيجار تكفينا طوال الشهر للأكل والمواصلات ولكن بلا أي ترفيه أو شراء ملابس ، وأحبنا جيراني البسطاء وأحببناهم .. وكانوا يشفقون علينا من شظف حياتنا ويتعجبون من سوء حالنا ونحن طبيبان حتى قال لي أحدهم مرة بتلقائية غريبة : إحنا كنا فاكرين إن الدكاترة كلهم حرامية لكن ياما في الحبس مظاليم !.

وخففت عنا صداقتهم بعض صعوبة الحياة فكانت جاراتنا يعرضن خدماتهن على زوجتي بشهامة مألوفة عندهن فتطلب مننها جارة مثلا ملابسنا لكي تغسلها لأننا طبيبان مشغولان بالعمل .. وتتطوع أخرى بشراء حاجيات البيت لها .. وتصر ثالثة على أن تشاركها تنظيف الشقة بهمة . وأنا أتذكر هذه الأشياء البسيطة الآن .. لأني كثيرا ما وجدت فيها تعويضا لنا عن جفاء أهلنا لنا وقسوتهم علينا في هذه الأيام الصعبة رغم علمهم بكل ظروفنا ففي مقابل هذا العطف من الجيران البسطاء .. لم يحاول أحد من أهلنا زيارتنا أو السؤال عنا .. بل ولم يتركونا أيضا في حالنا ففوجئت في إحدى الليالي وأنا وزوجتي نائمين بعد يوم شاق في العمل بأربعة وحوش يقتحمون شقتنا .. ويحطمون المكتب والكرسيين .. ويمزقون المرتبة الوحيدة التي ننام عليها وكتبنا وأوراقنا ويسبوننا بأفظع الشتائم .. بحجة أنهم يفتشون الشقة ثم خرجوا ورئيسهم يهددني : أنتم لسه شفتم حاجة .. عشان تبقى تتحدى الباشا! يقصد أبي الذي كان ترقى وقتها إلى رتبة اللواء !.

وخرج الرجال الأربعة .. وانحنينا نحن نلملم الاسفنج الممزق الذي خرج من بطن المرتبة ونعيد حشوها ونخيطها .. ونجمع كتبنا الممزقة .. ونحاول إصلاح المكتب والكرسيين .. ثم غلبنا التعب فنمنا على المرتبة وقد أمسك كل منا بالآخر بقوة كأنه يحتمي به مما تخفيه له الأيام .. وبالفعل فلقد انتابني الإحساس بأن أبي لن يدعنا في حالنا .. وتحققت مخاوفي حين أبلغني صديق لي أن أبي يدبر أن يلفق لزوجتي قضية آداب ! هل تصدق ذلك .. هذا ما حدث والله العظيم ولم يرجع أبي عن نيته إلا بعد أن أقسم له صديقي أنه سيقنعني بتطليقها .. لكيلا أعاند وأتمسك بها أكثر لو حدث لها مكروه وأصبحت مهمة صديقي هي أن يزوره كل عدة أيام ليطلب منه الصبر .. حتى ينجح في إقناعي لإضاعة الوقت لعله يهدأ وينساني قليلا .. وخلال ذلك جاءت فترة التجنيد وأمصيت عاما لا أتقاضى فيه سوى ستة جنيهات كل شهر وكنت أعمل لهذه الفترة ألف حساب .. لكن الله لم ينسنا فوجدت زوجتي عملا في مستوصف قريب من البيت وأصبحت هي التي تتولى الإنفاق على الأسرة .

وانتهت فترة التجنيد وخرجت من الجيش لأجد زوجتي مصممة على تسجيل الماجستير لي وظننت أن عقلها قد أصابه شئ ! لأني كنت انتظر بفارغ الصبر انتهاء فترة الجنيد لكي نبحث عن عمل في الخارج .. لنعيش حياتنا ولنهرب بعيدا عن قسوة الأهل وتربصهم لنا ، لكنها صممت وقالت لي إننا متفوقان وقد صمدنا للضيق والشدة والمضايقات فلماذا لا نكمل مشوارنا العلمي ثم نحقق بعد ذلك أحلامنا ؟

واستجبت لاقتراحها مرغما ومعجيا بها وبقوة إرادتها في نفس الوقت وسجلت أنا وهي للماجستير .. وبدلا من أن نستريح بعدما لقيناه .. بدأنا نستعد لفترة أخرى أشد قسوة ومرارة .. لأن الماجستير يحتاج إلى تكاليف وإلى كتب وإلى عناء كثير .

وبدأنا نذاكر للماجستير .. وقاسينا من الضيق والحاجة أشد مما قاسيناه طوال زواجنا .. ويكفي أن أقول لك إن طعامنا خلال الشهرين ألأخيرين من الدراسة كان لا يتجاوز الخبز والدقة والملح والماء تقريبا وأننا كثيرا ما قاسينا الجوع في ليالي المذاكرة الطويلة .. ولم نكن نجد ما نسكته به سوى الماء ، وما زلت أذكر حتى الآن أني أسرفت ذات ليلة في شرب الماء لكي أتقي الجوع فانقلبت معدتي وتقيأت وشعرت بالجوع أكثر وأكثر ولم نجد بدا من التضحية ببضعة قروش فخرجت في الليل أبحث عن شئ يؤكل .

ورغم ذلك كنا سعداء .. ولم نشك يوما .. ولم نندم .. ولم أر زوجتي مرة باكية .. حزينة .. أو غاضبة لأي سبب من الأسباب .. بل كلما رفعت رأسي عن الكتاب متململا وجدتها تنظر لي بعينيها الجميلتين والابتسامة الحبيبة تغطي وجهها .. فأبتسم لها ثم أحني رأسي مرة أخرى على الكتاب .. وقد زال ضيقي .

وكلل الله جهودنا بالنجاح فحصلنا على الماجستير في زمن قياسي خلال عامين فقط .. لكن أزمتنا لم تنفرج بل عشنا عاما آخر بعد الماجستير نعاني من شظف العيش وننام فوق المرتبة وليس في حياتنا أية نسمة راحة حتى وفقني الله بعد جهد جهيد في الحصول على عقدي عمل لي ولزوجتي في إحدى الدول ولأول مرة بعد 5 سنوات من العناء عرفت حياتنا أول لحظة راحة ..
https://t.me/ShazaAlabratt