2021-10-22 00:51:23
- عدالةٌ مقصيَّة.
- "جَميعنا ولدنا في أيامٍ ماتَ فيها الكَثير من النّاس بطرقٍ رهيبة، ومع ذلكَ نُطلقُ على تلكَ الأيّام اسم عيدِ مِيلاد!".
- أندريا جيبسون
- مُقدمة:
اليَمن في دقيقةٍ وحفنةٍ من الثّواني..!
أحدّثكم من بين الرّكام والرّذاذ، حيثُ تبقّى القليل.
أنفاسٌ مَمزوجةٌ بعبقِ البارود
وخُمرةُ أجداثِ، وبقايا شَعب..
شَعبٌ يستقبلُ الخيباتِ برحابةٍ وحمد، كبائر حُلمهِ، أصغرهنَّ حقًا !
متبلورٌ حولَ نفسه كفخّارٍ عتيقٍ على منضدةِ الحُلم..
حياةٌ باهتة
خرابٌ فِي طريقِ المَسيرة
أحداثٌ كافرة
تظنُّ أن تُحدثَ حادثة
فصحَّ ظنُّها وخابَ مَصابِي !
بصيصُ أملٍ يتهاوى عند الاقتراب.
بطَالةٌ تُعلى على ملفّاتك المليئةِ بزخم المُحصّلات العلميّة..
عواملُ روتينيّةُ تخلعُ سماتَ المحاسنِ في العذراءِ، لتصبحَ بائعةُ مناديلٍ تُلامسُ أخِدّة العشّاق وخيباتِ اللّقاء..
وشائبٌ يَطوي صفحاتهِ على أرصفةِ الانتظار
ومحطّات العبور
جنونُ الدّراويشِ يجول الأزقّة
تُلامس هرطقتهم أرق صِغار القططِ خوفًا من الغد!
وفزع البومِ عند الشّفق..
نحنُ في اعتيادٍ مُتلازم مصحوب بجرّةِ اللاحياة قُبيل الموتِ بحفنةٍ من الثّواني.
النَّص:
ابنِي حُزيران..
كنتُ أودُّ أن أحادثكَ كأبٍ مُبتدئ، وأُلوّح لكَ بيدينِ وأعيُن خافِقة
ولكنّ مرارةُ اجهاضِ إخوتكَ قبل رؤياهم أفسدَت عليّ حلاوةَ اللّقاء بك،
وليشهد الرّب أنّ حبّكَ
ورائحة أمّك الماكثة في غُرفتي
ألزمتنِي على التّمسكِ
بينَ جدرانِ منزلٍ لأدركُ سواكَ فِيه.
لم أكن أعلم ماقد حدثَ فِي عامِ مولدكَ
لكنّك أتيتَ..
الثّلاثاء عندَ الغُروب، الثّاني من حُزيران ١٩٨٧مِ، فِي السّاعة ٦:٠١ مساءً
إستنشقتَ أوّل أنفاسكَ تزامُنًا مع آخر زفيرٍ لأمّك..
أتيتَ كَغروبٍ مظلوم..
كانت أمّك من تُحلّي مَرارةَ سنواتِيَ العِجاف..
أعانقِ بها نفسي
أراها في مُخيلتي.أغرقُ بها يا بُني!
تُنثر الأشمسُ من بسمةِ ثغرها.
كنتَ أنتَ بسمتِي نيابةً عن موتِها !
لكنّ السّنواتَ لم تكن كفيلةٌ بأن تُبتِرَ شيئًا مِن لحمِ جُثمانكَ المدفونُ فِي ذاكرتِي ورُفاةِ أمّك..
وصِراعي مع آخر أنفاسٍ مُتخمة بحدادٍ أعتم من قتامةِ اللّيل، كَحياةِ موتٍ ترعرعنا بها بُني..
رِقعةُ الأرضِ عديمةُ العدل يَا حُزيران!
لاحَياة تُوحِي لِإكمال المَسير..
نعبرُ الأحلامُ تهكّتًا خشيةَ استِيقاظِ جواثِيم البشَرِ العنجهيّةِ
بربطةِ عُنقٍ وأوامِرَ وحكاويٍ
لاتجدُ لها من النّفعِ شيئًا..
يكفِي أن توطئ رأسها
لتأكُل فُتات شعبٍ جُحضَ كما لو أنّ الحياةَ بحقّهِ جريمة!
بُني..
أكتبُ لكَ آخر رسائلي بعد الألفين
ولاتغرنّكَ سماتِيَ التِي لم ترها جيدًا بعد..
فَفِي صدري عويل مجاعةِ أمةٍ من الحُزنِ ناقمة!.
فِي الثّانِي من حُزيران، مِن عامِ ١٩٧٩مِ..
عِند ذروةُ الشّروق
تمامًا عندَ السّاعةُ ٦:٠١ صباحًا
وجُدت هذهِ الرّسالة على قبر حُزيران
بصحبةِ جثّةٍ هَامدة!.
| مُحمد الجرَّاش*.
455 viewsمتعب فقط▽., 21:51