'خواطرُ في التعليم (١)' أصبح الطالب في جامعاتنا العربية - إلا | محمد أبو فارس
"خواطرُ في التعليم (١)"
أصبح الطالب في جامعاتنا العربية - إلا من رحم ربك - أشبه ما يكون بمُورِّد البضائع ؛ ينقلُها ولا يفتحُها! وكذلك صنيعُ الطالب بالمعلومات التي يتلقَّاها .
فالطالب - في الغالب - يتعامل مع المعلومة تعاملاً برغاماتيًّا كالحًا ، يسألُ : هل هذه ستأتي في الاختبار ؟ فإن كانت ستأتي ذاكرها بمضَضٍ ؛ "لينقُلها" من رأسه إلى ورقة الاختبار ، ثم لا يعبأُ إن نسيها بعد ذلك ، أما إن كانت خارجَ الاختبار فهي مشطوبٌ عليها بالإكس الأحمر ، هي بالتالي خارجَ الاهتمام ، خارجَ الشغف .
والعبء الأكبر - في نظري - على المُعلِّم هو أن ينجح في القيام بمهمتين عظيمتين :
الأولى : أن يقنع الطالب بأن "البضاعة" التي يعرضها له تستحق اهتمامه ؛ لأن الطالب يواجه جيوشا من البضائع المعروضة له في العالمين الواقعي والافتراضي ، وكل صاحب بضاعة يجتهد في بهرجتها والإغراء بها .
فأنت أيها المعلم أمام نفس منهكة من السعي في ميادين الرغبات ، وعقل مستعمر بسوس الفتنة الصاخبة ، فلا تظن أن معلومتك تكفيها صحتها ، بل لا بد لك من الاهتمام بالإقناع بها والترغيب فيها .
والمهمة الثانية : أن ينجح المعلم في تحبيب الطالب وتدريبه على فتح (البضائع=المعلومات) وتذوقها ، وهي مرحلة الاستمتاع التي تأتي بعد مرحلة الاقتناع ، وللأسف فإن نظام التعليم الذي لا تطول فيه صحبة المعلم مع تلميذه يقطع كل بداية ناجحة ، لكن على المعلم أن يغرس البذرة على الأقل ، لعله غيره يُكمل سقيها .
فالمعلم الناجح في نظري هو : من يرفع الطالب من مستوى التعامل البراغماتي مع المعلومة إلى مستوى التعامل القِيَمي .
وكل طباخ ماهر كانت بدايته مع التذوق الفاحص ، ولا يدري المعلم ، ربما كان بين طلابه مشروع طباخ ماهر لو وجد من يحبب إليه فتح البضاعة وتذوقها .