رَوْضَةُ الوِلَايَة

2020-03-11 13:46:23 _ _

﷽ سؤالٌ في رَوْضَةِ رَوْضَةِ الْأَخْلَاقِ:

السّؤال رقم 1070:

حبّذا سماحة الشَّيْخ لو تكتبون لنا شيئاً عن خصال المؤمن ونحن نعيش هذه الأيام ظروفاً صعبة، يحتاج فيها المؤمن لتقوية إيمانه. (البحرين)

الجواب: __ _
 
القسم الأول:
☆ افتتح كلامي في هذا الموضوع بما روي عن مولانا الصادق عليه السلام: «يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أنْ يَكُونَ فِيهِ ثَمَانِي خِصَالٍ وَقُوراً عِنْدَ الهَزَاهِزِ صَبُوراً عِنْدَ البَلَاءِ شَكُوراً عِنْدَ الرَّخَاءِ قَانِعاً بِمَا رَزَقَهُ اللهُ لَا يَظْلِمُ الأَعْدَاءَ وَلَا يَتَحَامَلُ لِلْأَصْدِقَاءِ بَدَنُهُ مِنْهُ فِي تَعَبٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ إِنَّ الْعِلْمَ خَلِيلُ الْمُؤْمِنِ وَالحِلْمَ وَزِيرُهُ وَالْعَقْلَ أَمِيرُ جُنُودِهِ وَالرِّفْقَ أَخُوهُ وَالْبِرَّ وَالِدُه‏».

⊙ والخصال جمع خصلة، وهي الحالة والصفة التي يكون عليها الإنسان، حسنة كانت أم قبيحة. والتعبير بقوله: (يَنْبَغِي لِلمُؤمِنِ) فيه دلالة عميقة؛ حيث إنّ لفظ البغية تدلُّ على طلب الشيء، فتقول: بغيتُ الشيءَ أبغيه: إذا طلبته. فالمؤمن الحقيقي هو ذلك الإنسان الَّذِي يسعى جهده لتحصيل هذه الصفات والخصال. والتعبير بالمؤمن دون الإنسان ونحو ذلك؛ للدلالة على أنّ هذه الخصال من مقتضيات الإيمان، فلا إيمان حقيقي دون هذه الخصال.

⊙ الخصلة الأولى: (وقُوراً عِنْدَ الهَزَاهِزِ). والابتداء بها ربما يكون لأجل شمولها لأكثر ما يأتي بعدها من خصال، فهي لسعتها وشموليتها تقدّمت على الجميع. والوقور: صيغة مبالغةٍ من الوقار، وهو الحلم والرزانة. والهزاهز هي الفتن والابتلاءات التي تعرض على الإنسان فتحرّكه، وتميل به من جانب إِلَى آخر. والمعنى الإجمالي: أنّ المؤمن في الفتن والابتلاءات تراه وقوراً رزيناً، فلا تحرّكه ولا توقعه في الاضطراب، وتخرجه عن الصراط الَّذِي رسمه له إيمانه بربّه وخالقه. وهذه الصفة النابعة من إيمان الإنسان واعتقاده بخالقه بمظاهر صفاته وعظمته، قد عبّرت عنها بعض الأخبار بأنّها تأمينٌ من قِبَلِ الله تبارك وتعالى له، فالمؤمن كغيره من البشر يكون عُرضةً للوقوع في الابتلاءات والمحن، لكنّه يختلف عن سائرهم في كون يلتجِئ إلى حصنٍ حصين، وركنٍ متين. ففي الخبر عن مُحَمّدِ بْنِ بُهْلُولٍ الْعَبْدِيّ قال سَمِعْتُ أبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ: «لَمْ يُؤْمِنِ اللهُ المُؤْمِنَ مِنْ هَزَاهِزِ الدُّنْيَا وَلَكِنَّهُ آمَنَهُ مِنَ العَمَى فِيهَا وَالشّقَاءِ فِي الآخِرَةِ».

⊙ التحليل القرآني لهذه الخصلة: إِنَّ طلب المؤمن وابتغائه لوجود هذه الخصلة فيه إِنَّما هي للحفاظ على إيمانه؛ لأنّ الإيمان هي العقيدة الراسخة، ورسوخ الشيء واليقين به لا يتناسب مع التذبذب والاضطراب. ويحدّثنا القرآن الكريم عن سيرة بعض اليهود والمنافقين الهادفة إِلَى إبعاد الناس عن إيمانهم، من خلال إيقاعهم في الشك والتذبذب، قال تعالى: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهَارِ واكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢]. حيث ورد في سبب نزولها عن أئمة أهل الهدى عليهم السلام: أنهم قالوا هذه كلمة حين تغيير القبلة؛ حيث صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة الصبح إلى بيت المقدس وهو قبلة اليهود، ثم حُولت القبلة في صلاة الظهر نحو الكعبة فقالت طائفة من اليهود: آمِنُوا بِالّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ يريدون استقبال بيت المقدس، وَاكْفُرُوا آخِرَهُ يريدون استقبال الكعبة.
¤ وتكشف هذه الآية عن خطّة هدّامة من خطط اليهود، وتقول إنّ هؤلاء لكي يزلزلوا بنية الإيمان الإسلامي توسّلوا بكلّ وسيلة ممكنة. من ذلك أنّ طائِفَة مِنْ أهلِ الْكِتابِ اتّفقوا أن يؤمنوا بما أنزل على المسلمين في أوّل النهار ويرتدّوا عنه في آخره. ولعلّ المقصود من أوّل النهار وآخره قصر المدة بين إيمانهم وارتدادهم، سواء أكان ذلك في أوّل النهار حقّا أم في أيّ وقت آخر. إنّما قصر هذه المدّة يوحي إلى الآخرين أن يظنّوا أنّ هؤلاء كانوا يرون الإسلام شيئاً عظيماً قبل الدخول فيه، ولكنّهم بعد أن أسلموا وجدوه شيئاً آخر قد خيّب آمالهم، فارتدّوا عنه.
¤ لا شكّ أن مثل هذه المؤامرة كانت ستؤثّر في نفوس ضعفاء الإيمان، خاصّة وأنّ أولئك اليهود كانوا من الأحبار العلماء، وكان الجميع يعرف عنهم أنّهم عالمون بالكتب السماوية وبعلائم خاتم الأنبياء. فإيمانهم ثمّ كفرهم كان قادراً على أن يزلزل إيمان المسلمين الجديد. لذلك كانوا يعتمدون كثيرا على خطّتهم الماهرة هذه، وقوله: ﴿لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ دليل على أملهم هذا.
أعاذنا الله من شرور أنفسنا وسيئات اعمالنا...

دُمْتُم بِخَيْرٍ وعَافِيَة
_
للمشاركة؛ يُمكنكم إرسال أسئلتكم عبر الضغط على هذا الرابط:
telegram.me/rawdawilaya

رابط القناة:
https://telegram.me/rawda_wilayah باز کردن / نظر دهید