2022-05-22 21:39:21
إن من أوضح الضروريات الاعتقادية هو النهي عن التفكر في ذات الله عز وجل وأحاديث كثيرة نصت على ذلك وحذرت منه،وبينت أنه لا يزيد المتفكر إلا حيرة وبعدا.ولا يوجد أحد من العلماء خالف في ذلك سوى فئة من الفلاسفة،وهذا من الموارد الذي قدموا فيه الفلسفة على الدين والحديث وحتى العقل.ومن ضمن تلك الأحاديث التي تنهى عن التفكر في ذات الله تعالى ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام:(من تفكر في ذات اللَّه تزندق)غرر الحكم،ج1،ص88
وعن الإمام الباقر عليه السلام:(تكلموا في خلق الله ولا تتكلموا في الله فإن الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيرا).أصول الكافي،ج1،ص92
وعنه عليه السلام : (إياكم والتفكر في الله ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه)أصول الكافي،ج1،ص93
وعن الإمام الصادق عليه السلام : (من نظر في الله كيف هو هلك) أصول الكافي،ج1،ص93
وعنه عليه السلام : (يا ابن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه وبصرك لو وضع عليه خرق أبرة لغطاه تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض ، إن كنت صادقا فهذه الشمس خلق من خلق الله فإن قدرت أن تملأ عينيك منها فهو كما تقول)أصول الكافي،ج1،ص93
وإذا ما رأيت خبرا يُتصور منه التفكر في ذات الله مثل الخبر الذي روي عن الإمام الصادق عليه السلام:(أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته)أصول الكافي،ج1،ص55.
فليس المراد منه هو التفكر في ذات الله وإنما في قدرته وحتى شراح الحديث بينوا ذلك مثل العلامة المجلسي في مرآة العقول : (الإدمان الإدامة وقوله عليه السلام : وفي قدرته ، كأنه عطف تفسير لقوله : في الله ، فإن التفكر في ذات الله وكنه صفاته ممنوع كما مر في الأخبار في كتاب التوحيد ، لأنه يورث الحيرة والدهش واضطراب العقل ، فالمراد بالتفكر في الله النظر إلى أفعاله وعجائب صنعه وبدائع أمره في خلقه).مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول،ج7،ص345.
ويقول الفيض الكاشاني : (ليس المراد بالتفكر في اللّه التفكر في ذاته سبحانه فإنه ممنوع منه لأنه يورث الحيرة والدّهش واضطراب العقل ، بل المراد منه النظر إلى أفعاله وعجايب صنعه وبدايع أمره في خلقه فإنها تدلّ على جلاله وكبريائه وتقدسه وتعاليه).الحقائق في محاسن الأخلاق،ص308
فهذا الخبر يحمل على غيره من الأخبار ويفهم معناه من خلالها من باب حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد،ومن ثم تفسير العام من خلال الخاص والمطلق من خلال المقيد؛فيقال المراد بهذا الخبر هو التفكر بأسماء الله وعظيم صنعه وهذه من الأمور البدائية التي يعرفها طالب الحوزة في السنين الأولى من دراسة مرحلة ما يسمى بـ(السطوح).
ومن هذا وغيره يُعرف الخبر الذي يقول:(أفضل العبادة إدمان التفكر في الله وفي قدرته) المراد به هو التفكر في أسماء الله وقدرته.
ومن هنا يتضح أن من يستند إلى هذا الخبر ويبرر للفلاسفة الذين قالوا بجواز التفكر بذات الله عز وجل هو بعيد عن الأمور البدائية في هذه العلوم وكان الأولى به تعلمها أو يصون نفسه عما يرديها ويكشف عن جهلها حين الخوض فيها،ومن قبل ذلك عليه أن يكون على حذر من أن تذهب بدينه هالة تقديس الفلاسفة ويفتح على نفسه أبوابا من الشر لا يعرف أولها من آخرها.
وقد اضطر بعض الفلاسفة للقول في التفكر بذات الله عز وجل لأن العقل ــ كما يدعون ــ والكشف معيارا لهم في المعرفة،وعند نفي القول به (التفكر في ذات الله) يلزمهم نفي الكثير من المطالب والبحوث الفلسفية المرتكزة على القول به مثل بسيط الحقيقة،العقول العشرة والسنخية بين الخالق والصادر الأول ، وعلم الله حضوري أم حصولي،ماهيته أنيته، ــ ذكره السيد الطباطبائي في الفصل الثالث من المرحلة الرابعة من نهاية الحكمة ــ،الله صرف الوجود.ونحو ذلك
وملخص ما تقدم التفكر في أسماء الله وقدرته مما لا إشكال فيه وهو محبذ شرعا وعقلا لكافة البشر.
وأما التفكر في ذات الله عز وجل فهو مذموم شرعا وعقلا ــ لأنه غير ممكن ولا يزيد صاحبه إلا حيرة وتيها ــ لكافة البشر،ولكن بعض الفلاسفة قيدوه بمن له طاقة على ذلك وهو خلاف الشرع والعقل.
وممن قيده وقال بإمكان التفكر بذات الله لصنف خاص هو السيد الطباطبائي قائلا: (وفي النهي عن التفكر في الله سبحانه روايات كثيرة أخر مودعة في جوامع الفريقين ، والنهي إرشادي متعلق بمن لا يحسن الورود في المسائل العقلية العميقة فيكون خوضه فيها تعرضا للهلاك الدائم).تفسير الميزان،ج19،ص53
55 views18:39