2021-08-26 15:25:57
[المقال (214)]
بسم الله الرحمن الرحيم
● تنبيه الدارس على الاهتمام بوقت السير في الطرقات وإلى المدارس ●
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فالذي ينظر في سير الصالحين وأهل العلم والدين، يلحظ أن من مميزاتهم حرصهم على أوقاتهم ومن خصائصهم شحهم بساعاتهم، وقد تنوعت عبارتهم في الحث على إغنام الأوقات في مذاكرة العلم والأعمال الصالحات، وكذلك لهم كلمات في التحذير من قتل الوقت وإضاعة الزمان.
قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله:
والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
ولهذا تجد أن كثيرا من العاطلين يضيعون أوقاتهم في فضول النوم والأكل والشرب وغير ذلك، وأما من علا كعبه وبرز نجمه وسما في العلم والتحصيل يحفظ وقته.
وكان بعض السلف شحيحا بوقته، يحاسب نفسه على الدقائق بل يحاسبها على الثواني التي يقضيها في الأكل، وكان منهم من يغتنم الوقت اليسير الذي يقضيه في الأكل، والبعض يبتكر طرقا لتقليل هذا الوقت الذي يهدره في طعامه، وهذا حرصا منهم على استثمار هذه الدقائق اليسير في العلم والطاعة والعبادة.
قال العلامة ابن القيم رحمة الله في ((مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين)) : ((قالوا: إن أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته)) اهـ.
فلم علم المجدون أهمية الوقت حافظوا عليه، ومن طرق حفاظهم على الوقت واستغلالهم له فيما ينفهم – من مذكرة أو حفظ وقراءة قرآن أو ذكر وتسبيح أو مطالعة في كتاب - وهم يمشون، وفي هذه العجالة أذكر نماذج طيبة من السلف الأخيار في استغلال أوقاتهم في سيرهم وذهابهم.
1) إبراهيم التيمي (ت 136 هـ).
عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: كنت أعرض عليه ويعرض علي في السكة، فيمر بالسجدة فيسجد، قال: قلت: أتسجد في السكة؟
قال: نعم، سمعت أبا ذر، يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله، أي مسجد وضع في الأرض أول؟
قال: ((المسجد الحرام)).
قال: قلت: ثم أي؟
قال: ((ثم المسجد الأقصى)).
قال: قلت: كم بينهما؟
قال: ((أربعون سنة)).
قال: ((ثم أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد)).
وقد قال أبو عوانة: كنت أقرأ عليه ويقرأ علي.
أخرجه أحمد في ((المسند)).
قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
قال العلامة ابن قدامة رحمة الله في ((المغني)) : ((ولا بأس بقراءة القرآن في الطريق، والإنسان مضطجع)) اهـ.
2) عطاء بن السائب (ت 136 هـ).
قال عطاء بن السائب رحمه الله كما في ((معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار)) للذهبي: كنت أقرأ على أبي عبد الرحمن [السلمي] وهو يمشي.
عبد الرحمن بن أبي حاتم (ت 136 هـ).
قال الحسن بن الحسين الدارستيني رحمه الله كما في ((سير أعلام النبلاء)): ((سمعت أبا حاتم، يقول: قال لي أبو زرعة: ما رأيت أحرص على طلب الحديث منك.
فقلت له: إن عبد الرحمن ابني لحريص.
فقال: من أشبه أباه فما ظلم.
قال الرمام: فسألت عبد الرحمن عن اتفاق كثرة السماع له، وسؤالاته لأبيه.
فقال: ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه)).
3) الفتح بن خاقان (ت 247 هـ).
وروى الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه ((تقييد العلم)): ((وأما الفتح بن خاقان فإنه كان يحمل الكتاب في كمه أو في خفه، فإذا قام من بين يدي المتوكل للبول أو الصلاة، أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي، حتى يبلغ الموضع الذي يريده، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه، إلى أن يأخذ مجلسه. فإذا أراد المتوكل القيام لحاجة، أخرج الكتاب من كمه أو خفه، وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده)) اهـ.
4) ثعلب النحوي ثعلب النحوي أحمد بن يحيى الشيباني الكوفي البغدادي (ت 291 هـ).
قال ابن خلكان رحمه الله ((وفيات الأعيان)) : ((وتوفي يوم السبت لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الاولى، وقيل: لعشر خلون منها سنة إحدى وتسعين ومائتين ببغداد، ودفن بمقبرة باب الشام، رحمه الله تعالى، وكان سبب وفاته أنه خرج من الجامع يوم الجمعة بعد العصر، وكان قد لحقه صمم لا يسمع إلا بعد تعب، وكان في يده كتاب ينظر فيه في الطريق فصدمته فرس فألقته في هوة، فأخرج منها وهو كالمختلط، فحمل إلى منزله على تلك الحال وهو يتأوه من رأسه، فمات ثاني يوم)) اهـ.
وقال أبو هلال العسكري رحمه الله في ((الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه)) : ((وحكي عن ثعلب أنه كان لا يفارقه كتاب يدرسه، فإذا دعاه رجل إلى دعوة شرط عليه أن يوسع له مقدار مسورة، يضع فيها كتابا ويقرأ)) اهـ.
5) أبو بكر بن الخياط النحوي محمد بن أحمد بن منصور السمرقندي البغدادي (ت 320 هـ).
قال أبو هلال العسكري رحمه الله في كتابه ((الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه)) : ((وكان أبو بكر الخياط النحوي يدرس جميع أوقاته، حتى في الطريق، وكان ربما سقط في جرف أو خبطته دابة)) اهـ.
78 views12:25