Get Mystery Box with random crypto!

على من يُطلق وصف #الخوارج؟ أصبح وصف الخوارج تهمة يتراشق بها ا | السبيل

على من يُطلق وصف #الخوارج؟

أصبح وصف الخوارج تهمة يتراشق بها الكثيرون في العصر الحديث، وبمجرد إطلاقها على جهة أو جماعة أو حزب يصبح من السهل على الجهات الأخرى الإفتاء بقتلها واستحلال دمها، لذا ينبغي تمييز صفات هذه الجماعة وتحديدها بدقة.

من خلال دراستنا لسيرة الخوارج، نلاحظ أنها مرت بثلاث مراحل، الأولى كانت قبل ظهور الخوارج وهي المرحلة التي حذر فيها النبي صلى الله عليه وسلم من ظهورهم، والثانية هي مرحلة ظهورهم الفعلي بدءا بعصر علي بن أبي طالب، والثالثة هي المرحلة اللاحقة على تشكلهم والتي بدأوا فيها بالانقسام والتفلسف.

في المرحلة الأولى، وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بصفات محددة دون أن يسميهم بأي اسم، وأهم صفاتهم الغلو في التمسك بالنص دون تعمق في معناه، والممارسة التعبدية القاصرة حيث يتجاوزون في ظاهرها تعبد الصحابة أنفسهم بينما لا يتجاوز تأثيرها إلى الباطن، والممارسة التعبدية المتعدية حيث يتعبدون بقتل المسلمين واستحلال دمائهم، وضعف التجربة وضعف التفكير (حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام).

في المرحلة الثانية، تأكد علي رضي الله عنه وبقية الصحابة من انطباق صفاتهم على حالهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ناقشهم ابن عباس فرجع منهم الكثيرون إلى السنة وبقي بعضهم مصرا على التمرد، ومن خلال هذه المناظرة يمكن استنتاج صفاتهم بدقة، وهي الغلو في التمسك بالنص دون تعمق في معناه، والتكفير بما ليس بمكفّر، سواء بسوء فهمهم لطبيعة الأمور المكفرة وذلك إما بأن يعدوا ما ليس بمكفر مكفرًا أصلاً، أو يأتوا إلى فعل غير مكفر ويسموه باسم فعل مكفر، أو بسوء فهمهم لوقائع التكفير ودلائلها حيث يتعجلون في تلك الوقائع ويجعلونها دالة على التكفير وهي ليست كذلك.

وفي المرحلة الثالثة نجد أنهم انقسموا إلى طوائف، كما تداخلوا مع الاتجاه الكلامي وصارت لهم آراء عقائدية قريبة من آراء المعتزلة، وفي هذه المرحلة ظهرت ثلاث تعريفات للخوارج باعتبارهم طائفة أو مذهبا، وهي كما يلي:

الأول اقتصر على مسألة التكفير، واعتبر الخارجي هو من يقول بأن مرتكب الكبيرة كافر. والثاني اقتصر على مسألة القتال، واعتبر الخارجي هو من خرج على ولي الأمر وحسب، أما الثالث فجمع بين المحدِّدَين: الفكري (التكفير) والعملي (القتال).

وإذا أردنا تطبيق هذه المعايير على الجماعات الجهادية الموجودة اليوم فقد يحدث لبس عندما نجد أنها لا تنطبق على بعضها، لأن بعض الغلاة اليوم لا يكفّرون مرتكب الكبيرة ولم يخرجوا على الإمام الشرعي، لكن هذا الحكم لا يُمثل لحظة التحقق التاريخي الأولى التي تشكل فيها مسمى الخوارج، لذا فإن التعريفات الثلاث المذكورة في المرحلة الثالثة ليست دقيقة تماما، وينبغي العودة إلى الصفات الأولى المحددة في الأحاديث والتي انطبقت على صفات الخوارج الذين قاتلهم علي ومن بعده.

ويجب هنا أن نشير إلى مسألتين:

الأولى: ربط النبي عليه الصلاة والسلام بين الرجل الذي اعترض على حكمه وبين صفات الجماعة قبل ظهورها، ومع أن الرجل لم يقل بمقولات الخوارج التاريخية فقد ربط النبي بينه وبين هذه الصفات، وأهم هذه الصفات:

أن هذا الرجل يظهر بحالة من المزايدة في التدين من حيث التمسك بالعدالة وكأنه أكثر عدالة من النبي، وأنه يرفع شعار العدل، وهو شعار لا يُختلف عليه، كما أن الغلاة اليوم يرفعون شعارات من خير ما يقوله الناس، وأنه يحمل شعار تحقيق العدل وهو لم يفهم معناه ويتعجل في تفسيره، وأنه يستخرج من التفسير العجول لتصرف النبي حكمًا بعدم عدله كما يستنتج بعض الجهاديين الغلاة المعاصرين من خلال قراءتهم الظاهرة أحكامًا خاطئة، وأنه يريد أن يحقق المنافحة عن العدل ولكن من خلال التشكيك في عدالة النبي فهو يريد أن يصل إلى شيء دعت إليه الشريعة ولكن من خلال انتهاك أشياء أعظم.

الثانية: أشارت بعض الأحاديث إلى استمرار خروجهم إلى آخر الزمان، كما في حديث ابن عمر: “كلما خرج منهم قرنٌ قطعه الله” [حسنه الألباني وصححه الأرناؤوط].

وبناء على ذلك؛ فإن الكثير من الصفات الواردة في النص النبوي تنطبق على جماعة الدولة الإسلامية (داعش)، وعلى الجماعات الشيعية المتطرفة التي تقتل مخالفيها من أهل السنة بدافع ديني، غير أن الفارق بينهم وبين الخوارج أن طريقة الجماعات الشيعية في الاستدلال لم تكن تعتمد على ظواهر النصوص كما هو حال الخوارج، وإنما على مرويات منسوبة لبعض أئمة آل البيت، والنصوص لم تشر إلى منهج الاستدلال بقدر ما أشارت إلى سياقه العام وهو قراءة القرآن وعدم التعمق في معناه.