Get Mystery Box with random crypto!

التعامل النبوي مع الحضارات المختلفة بُعث النبي محمَّد ﷺ في ال | السبيل

التعامل النبوي مع الحضارات المختلفة

بُعث النبي محمَّد ﷺ في الناس وفي عصره أربع إمبراطوريات اقتسمت العالم، الرومانيّة والفارسيّة والهنديّة والصينيّة، فالأولى امتدت لأوروبا، والثانية حاضرة في الشرق الأدنى، والأخريان شبه معزولتين، وكان المخزون الحضاري متراكمًا من الحضارة المصريّة والإغريقيّة.

وكان العالم قُبيل مبعثه ﷺ حافلاً بالمعارف والعلوم في دقائق المعقولات، كما أرخ الأمريكي ديفيد ليندبرغ (في الصورة) ذلك في موسوعة the cambridge history of science، فعُرف قانون الهُوية والتناقض والثالث المرفوع، ونظرية الدولة، وتقسيم أشكال إسناد السلطة، ودقائق الهندسة، وتعيين بعض القيم الرياضية، وفنون العمارة، والمسرح والشعر والأدب، وأصول الطب، وقياس المسافات الفلكيّة وتحديد مواعيد الكسوف واختراع البوصلة، والرافعات، وغيرها كثير.

ورغم ذلك كلّه، فإن الله سبحانه وتعالى أخبر نبيه محمَّد عن القيمة المنحطَّة لكل تلك المدنيات، ووصفها القرآن بالضلال بكل ما تضمنته قوتهم وعلومهم وفنونهم ومدنيتهم، في قوله سبحانه: {لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164]

وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أنه يبغضهم ويمقتهم ويكرههم جل جلاله، سواء كانوا أدباء العرب أم فلاسفة أثينا، أم أطباء الصين، أم حكماء الهند، أم غيرهم، كما رُوي عن رسول الله أنه قال مرَّةً في خطبته: (وإنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلى أَهْلِ الأرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إلَّا بَقَايَا مِن أَهْلِ الكِتَابِ) [صحيح مسلم] كل ما كان متوفرًا آنذاك من العلوم المدنية والفلاسفة والأدباء؛ بلا وزن في ميزان الله سواءٌ في ذلك عربهم وعجمهم، ولم يستثنِ -سبحانه- إلا طائفة قليلة من الناس هم أهل الكِتاب (اليهود والنصارى) بسبب ما كان لديهم من بقايا النبوات.

وحكم الله على البشرية كافّة أنها في الظلمات قبل البعثة، وبيّن سبحانه أن التنوير الحقيقي الذي تحتاجه هو نور الوحي، وسيبقى من أعرض عن هذا الوحي مرتكسًا في الظلام والضلال مهما أُوتي من العلوم، وهذا الانتقاص والاستعلاء الشرعي على المنجزات الحضاريّة والفنيّة ليس ذمًّا لتلك المنجزات لذاتها، وإنَّما لأن أصحابها لم يتزكوا ويتنوروا بالوحي والعلوم الإلهية.

والمنهج الذي يُحبَّه الله ويريده من المسلم إزاء الحضارات الأخرى هو الانتفاع بما لديها ممَّا يعزز الغاية، كما انتفع النبي وأصحابه في الخندق، ومشروعية الغيلة، والتبادل التجاري، وافتدى الأسير الكافر بتعليم المسلمين، دون أن يقع المرء في تعظيمها والانبهار بها مع ضلالها عن الإسلام، بل يعي تخلفها وانحطاطها وظلاميتها، كما وعى ذلك النبي وأصحابه، وحاجتها للتنوير الحقيقي الذي لا يكون إلا بالإسلام.

المزيد في جديد مقالات السبيل: "الهدي النبوي في مقاومة تهديدات الهوية الإسلامية" بقلم هدى أبو هاشم
http://bit.ly/3IK8W9N