Get Mystery Box with random crypto!

لماذا وضعنا الله في اختبار صعب كهذا دون أن يكون لنا الخيار فيه | السبيل

لماذا وضعنا الله في اختبار صعب كهذا دون أن يكون لنا الخيار فيه؟

هذا سؤال مهم جدا، وقد كان يتردد في ذهني منذ طفولتي، فنحن وعينا على وجودنا في هذه الحياة فجأة، وعلمنا من والدينا أنهم خرجوا إلى الحياة بالطريقة نفسها، وأننا جميعا سنموت لنقف بين يدي الله كي نُحاسب على كل صغيرة وكبيرة، مع أنه لم يؤخذ رأينا -كما يبدو- فيما إذا كنا أصلا نريد خوض هذا الاختبار الصعب، لا سيما وأن فيه مجازفة كبيرة جدا، فالفاشل فيه لن يخسر صحته أو ماله أو شيئا من حياته العابرة، بل سيدخل نار جهنم بكل ما فيها من عذاب دائم.

وبما أن هذا السؤال يخوض في عمق #الغيبيات التي لا يبلغها الحس والعقل، فلا سبيل لتحصيل إجابته سوى بالبحث في نصوص الوحي الذي أثبتنا سابقا صحة صدوره عن الله تعالى [انظر مقال الوحي القرآني]، حيث يخبرنا #القرآن الكريم أن الإنسان قد خُير بالفعل.

يقول الله تعالى {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} [الأحزاب: 72]، وفي عدة روايات عن ابن عباس نجد أن الأمانة هي الطاعة والفرائض، حيث يقول إن الله عرض هذه المسؤولية على تلك المخلوقات فاعتذرت عن تحملها، ثم عرضها على آدم وقال له: إني قد عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها، فهل أنت آخذ بما فيها؟ فقال: يا رب، وما فيها؟ قال: إن أحسنت جُزيت، وإن أسأت عوقبت. فأخذها آدم فتحمّلها.

وفي آية أخرى يقول تعالى {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا، أن تقولوا يوم #القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} [الأعراف: 172]، وأجمع المفسرون على أن هذه الآية تعني أن الله أخرج جميع بني آدم (وعددهم بالمليارات كما نعلم) من ظهره على هيئة الذر (أي مثل النمل الصغير)، ثم سألهم ألست بربكم؟ قالوا بلى، ويقول المفسر مجاهد بن بكر “فقالت الملائكة شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين”، أي أن الملائكة شهدت علينا أيضا باعترافنا بوجود الله وعبوديتنا له. وقد نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من حديث يؤول هذه الآية بهذا المعنى.

ويستنتج بعض العلماء أن التخيير كان لكل واحد منا، وليس لآدم وحده فقط. وقد يقول قائل: ولكن لا أذكر أني تعرضت لهذا التخيير ولا أذكر أني شهدتُ أمام الملائكة بأن الله هو ربي. والجواب هو أن الله أعاد بني آدم جميعا إلى ظهره ليخرج كل منهم في وقته إلى الدنيا ويدخل هذا الاختبار بعد أن مُسحت تلك الحادثة من ذاكرته، إلا أنه وضع لنا علامات في الطريق، وترك فينا فطرة الشعور بألوهيته وعبوديتنا له، وأرسل لكل أمة رسولا كما يقول {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر: 24]، ثم ذكر الله هذه الحادثة في الوحي المرسل وأخبرنا أن الملائكة شهدت علينا، وسمح لنا بالتحقق من صحة الوحي [انظر مقال الوحي القرآني] ومن صدق المرسلين [انظر مقال نبوة محمد]، وزوّدنا بأدوات البحث الكافية للتحقق والاختبار والفهم والاقتناع [انظر مقال مصادر المعرفة]، ومنحنا الوقت الكافي لذلك، كما أعطى كلا منا حرية الاختيار بين التصديق والإنكار، وعليه فإنه يمكننا أن نفهم مبدئيا أن وضْعنا في هذا الامتحان لم يكن ظلما.

وينبغي ألا ننسى أننا نتعامل في هذه #الحياة وفق مبدأ التسخير، حيث لا نجد معضلة أخلاقية في تفاوت درجات الناس بالمجتمع طالما لم يظلم الأعلى منهم الأدنى، فلماذا إذن يتمرد البعض على خالقهم دون أن يعترضوا في المقابل على انصياعهم لسلطة بشر يماثلونهم في الخلقة؟

والظاهر أن ورود الاعتراض على ذهن أي منا -بشأن خلقه دون اختيار منه- هو خاطر نفسي ينشأ عن حالة تذمر من مصائب الحياة ومشاقها، وهذا الخاطر لا يطرأ إلا نادراً، وليس ملازماً لذهن أكثر الناس تساؤلاً وتذمراً إلا أن يكون مصاباً بالاكتئاب وبحاجة للعلاج، فلا نكاد نسمع مثل هذا الاعتراض من شخص يتقلب في النعم الحسّية وهو يستمتع بحياته، ما يؤكد أن المشكلة نفسية لا عقلية. فإذا افترضنا إذن أن المُعترض قد خرج من هذه الحياة الشاقة وفتح عينيه على عالم الآخرة، ووجد نفسه فجأة بين أهل الجنة وهم يدخلونها ليخلدوا في نعيم مقيم، فهل سيخطر بباله حينئذ الاعتراض السابق على خلقه؟ أم أنه سيحمد الله على خلقه وابتلائه في حياة قصيرة عابرة لينقله إلى جنة فيها من مقومات السعادة ما يتجاوز أحلامه، بل وما ينسيه كل ما كان من أسباب التذمر في الدنيا؟

المزيد في مقال "الأسئلة الوجودية الكبرى" من #موسوعة_السبيل :
https://tinyurl.com/y5pkomst