Get Mystery Box with random crypto!

هل يمكن أن تفنى الحضارات؟ والفناء جائز في حق الحضارات التي لا | السبيل

هل يمكن أن تفنى الحضارات؟

والفناء جائز في حق الحضارات التي لا تنطلق من عقيدة، إذ إنّ هذا النوع من الحضارة يتركب من مكونين أساسيين هما الروح وتمثلات تلك الروح، والروح الحضارية حصرية لكل حقبة زمنية، بل أحيانًا لكل جيل، إذ إنّها النَفَس العام المتكوَّن من مجموع أنفاس الأفراد، فبمجرد زوال هذا الجيل وإرهاصاته؛ تزول معه روح حضارته، ولكن تبقى تمثّلاتها العلمية والعملية والفكرية التي وجدت مسلكًا إلى أرض الواقع تدل عليها، ولكن رغم حضور التمثلات إلا أنها فقدت الأنفاس البشرية التي تُجسد فيها الحضور، لذا يمكن اعتبار هذه الحضارة في حالة فناء.

ومن هنا فإن التشبث بتمثلات هذه الحضارة الماضية بمثابة التشبث بجثمان ميت فاضت روحه منذ زمن، مهما استنطقت أغراضه وموروثاته؛ لن تتمكن من تطويعها بذات النحو الذي طوّعها هو.

لكن عندما تدخل العقيدة الإسلامية ضمن مكونات الحضارة، فإنها تكسبها ميزة تضمن لها إمكان البعث في أي جيل، حيث إنّ العقيدة الإسلامية تتناسق تمامًا مع غاية الخلق وفطرة الإنسان، وهذان العنصران في حالة وجودية مرتبطة بوجود الإنسان، لذا فمهما زهقت أرواح الأجيال وبقيت التمثلات عاجزة عن الحياة والبعث، تظل تلك العقيدة بهذا النمط متواجدة في الأوساط تتخلل النفوس البشرية لتتطابق مع النزعة الغائية فيها وتلتحم بفطرتها، فتتحول أنفاس الجيل الجديد إلى أنفاس متشابهة _وأحيانًا إلى حد التطابق_ مع سلفهم الذين عاشوا تلك الحالة، وبالتالي فإن مجموع الأنفاس قادر على توليد روح تشبه الروح الأولى لتلك الحضارة لأنها من نفس المشكاة.

إن اندماج العقيدة الصحيحة في المعادلة الحضارية ينتج حضورًا جديدًا لها، ويجعل إمكانية بلوغ الرشدية بعد كل كبوة ممكنًا، وبالتالي لا يهمنا كثيرًا التمثلات الحسية لتلك الحضارة لأنها في النهاية طرف غير فعّال في تفعيل المعادلة الحضارية، وإنما هو نتيجة لما أنتجه الجيل حتى يكوّن الروح التي أنتجت هذه الأفكار ونفذّتها، فسواء تم تنفيذ تلك التمثلات أم لا؛ فإن الرشدية غير معتمدةٍ عليها.

ما واجبنا نحو الرشدية؟

نخلُص من هذا الطرح إلى أنّ الأمة رغم انتكاسها إلى طور المهدية مرة أخرى، إلا أنها لا زالت -وستظل- تحمل في أعماقها الملامح التكوينية التي تضمن لها بلوغ رشدها مرة أخرى إذا سارت بهذه المقومات في الطريق الصحيح، وأن عنصر العقيدة هو العنصر الحيوي في تفعيل المعادلة الحضارية بشكل عملي، لذا علينا استنطاق هذه الملامح وتذليل الطرق التي تسمح لها بالظهور والبروز مرة أخرى، وتهيئة البيئة التي تضمن حصول مرحلة انتقالية صحيحة من المهد إلى الرشد.

أسأل الله أن يُبَّلِّغ هذه الأمة رشدها.

المزيد في جديد مقالات السبيل: "كيف يتحقق النهوض.. سبيلنا نحو رشدية حضارية" بقلم شيماء مصطفى
https://bit.ly/3HnYkvF