Get Mystery Box with random crypto!

الفشار والناس! بينما كنت أتناول الفشار تذكرتني وأنا صغيرة، كنت | السبيل

الفشار والناس!
بينما كنت أتناول الفشار تذكرتني وأنا صغيرة، كنت لا أجاوز واحدة إلا وتأملتها لأجد لها شبهًا، فهذه تشبه الوردة وتلك تشبه أرنبًا صغير وهكذا، وأنا أتفكر في تلك الحالة التي طرأت على حبات الذرة وجدتني فورًا تذكرت البشر!

فجميع حبات الذرة تشبه بعضها البعض في الأصل والتكوين، في الجوهر والمظهر، وعندما تعرضوا جميعًا لذات الظروف البيئية نجدهم أخرجوا لنا نماذج متمايزة ومختلفة جدًا، بل نماذج متفردة بذاتها!

وهذا تمامًا ما يحدث في البشر، فتجد أناسًا يعيشون في ذات البيئة وتحت نفس الظروف ولكنهم مختلفون جدًا، بل تجد أخوَان وُلدوا في نفس البيت وفي كنف ذات العائلة وتجد التمايز بينهما يتنازعه المشرق والمغرب!

والحق أنني أتعجب من هذه النفس البشرية كلما تأملتها، بل مغبونٌ من ظن أنّ الإحاطة بدهاليز النفس البشرية ممكنًا أو حتى واردًا، ولو أنفق حياته كلها في دراستها. فتشابكاتها وتقاطعاتها وكثرة العوامل المؤثرة عليها مع اختلافها في ذاتها واختلافها في وقعها وتأثيرها على كل نفسٍ بمفردها يجعل الأمر شاق جدًا، وحتى بعد الجهود المتضافرة التي بُذلت لإخراج علم النفس من بوتقة الفلسفة والعلوم الإنسانية وإدخالها إلى حيز العلوم التجريبية استجابةً لموجة المادية والعلموية، لا زالت نتائج هذا العلم لا تصل إلى الحتمية اليقينية كنتائج معادلات الكيمياء مثلًا والتي يكون نسبة خروج نتائج مختلفة _مُدرَكَة لنا على الأقل_ تكاد تكون منعدمة، ولكنهم قالوا وصلنا إلى تكرار ذات النتائج في بعض تجارب علم النفس تُعَرِّج نحو السبعين بالمائة، وبالطبع هي معتمدة على البحث الاستقرائي الذي يمكن الطعن في نتيجته بظهور ما هو مخالف للاستقراء العام، فغرابٌ أبيضٌ واحد يبطل قاعدة "كل الغربان سود"، وعدم رؤيته لا تعني عدم وجوده، وإمكان وجوده سيظل قائمًا لعدم إمكان الإحاطة بكل مناطق الاستقراء، فدومًا أنذهل من هذه المعجزة التي أودعها الله في أجسادنا، تلك المعجزة المتعالية على المادة والمادية الجافة، تلك المعجزة التي بمفردها كفيلة لزلزلة أعتى عروش الإلحاد، لأن النظرة الإلحادية للإنسان تراه حثالة كيميائية تعيش على كوكب متوسط الحجم كما قال ستيفن هوكينج أحد أشهر الملاحدة المعاصرين، فالحثالة الكيميائية التي تعيش على هذه البقعة من الكوكب مكونة من نفس الحثالة التي تعيش هناك، وجميعهم من أصل واحد، فدعنا نتجاوز الاختلاف في الأشكال والوجوه وألوان البشرة _التي وعلى أساس رؤيتهم كان من المفترض ألّا تكون مختلفة في النوع الواحد هذا الاختلاف الواسع جدًا حتى في نفس الفصائل_على حد تعبيرهم_ لأن المفترض أن البشر تطوروا عن نوع معين من السمك، فالجميع يحملون نفس الجينات التي حملتها، والسمكة تطورت عن خلية واحدة في الأصل من المفترض أنها بسيطة جدًا _ بالطبع لن أسهب عن هزلية هذه النقطة حتى لا أشرد عن الموضوع_ وبالتالي فمساحة التنوع ضيقة جدًا، وبعدما تطورت تكوّن ذكر أم أنثى؟ أم أنثى تطورت لذكر؟ طيب لماذا لم تتطور بقية النساء إلى ذكور والإحصائيات تقول حاليا أن عدد الإناث أكبر من عدد الذكور في عدة دول؟ لماذا قرروا التكاثر بالتناسل ولم يعتمدوا على التطور في إدارة البشرية؟ لماذا لم تتطور بقية الأسماك من ذات النوع إلى إنسان؟ وكذلك كل الكائنات التي ظهرت في متسلسة تطور الإنسان على حد قولهم لماذا اختفاؤها كان أبديًا طالما أن عملية التطور مستمرة بل يجب أن تستمر حتى تستمر الحياة على حد زعمهم؟

أما الرؤية الإسلامية في سبب التنوع هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض، والأحمر، والأسود، وبين ذلك، والخبيث، والطيب، والسهل ،والحزن، وبين ذلك"(رواه أحمد)، فهذا التنوع _ جسدًا ونفسًا_ المُودَع في چينات البشر خُلِقَ فيه منذ اللحظة الأولى وتوارثوه بالتناسل، وهذا مبني على يقينية الوجود التي لا مراء فيها لكل من أراد الحفاظ على أصول عقله ومبادئه الضرورية ، أما عند التطوريين ما تبريرهم لهذا التنوع الواسع جدًا في البشر خصوصًا وفي الكائنات عمومًا وجميعهم من أصل واحد جاء من صدفة عمياء لم يثبت لها أي أصلٍ من الخلق؟ ومن دَرَس ألف باء چينات يعلم مدى سخف أي مقولة تبرر ذلك بتطور الچينات أيضًا، بل يمكن اعتبارها نكتة ظريفة جدًا نضحك عليها ساعة ثم لا نكترث لها ونكمل حياتنا بأريحية، وكل هذا عن جانب الجسد المعقد جدًا في ذاته، والبسيط بجانب تعقيدات النفس البشرية، لأن مادية الجسد تجعل اكتشاف الكثير مما يطرأ عليه ممكنًا _ مع أن الجهاز العصبى مثلًا حتى الآن ما عُلِم عنه أقل مما لم يُعلم وكذلك الجهاز المناعي وأمراض المناعة الذاتية وغير ذلك من أغوار الجسد البشري_ أما عن تلك النفس التي لأجلها سردنا الموضوع، ما سبب تنوع النفسيات والطبائع؟ وما معنى الحزن والفرح؟ وماذا تعني المعاناة والألم؟ ما سبب استجابة الجسد المادي لطوارئ النفس المتعالية على المادة،