Get Mystery Box with random crypto!

والدولة، ولا تفصل بين الشريعة والسياسة، ولكنها تنتقي مجالات ال | كتابات علي المؤمن

والدولة، ولا تفصل بين الشريعة والسياسة، ولكنها تنتقي مجالات اللقاء والفصل، وفق ما تقتضيه مصالحها وأهدافها الخاصة. فمثلاً تؤكد أغلب دساتير البلدان المسلمة على أن الإسلام هو دين الدولة، أو أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع أو أحد مصادر التشريع في الدولة، وهذا هو التناقض الأهم مع جوهر العلمانية وفلسفة المذهب الديمقراطي وأي مذهب أرضي آخر، لأن كون الشريعة الإسلامية مصدر التشريع أو أحد مصادره، يعني أن السلطة التشريعية لن تكون حرة أو مطلقة اليد في تشريعاتها، وإنما ستكون ملزمة (نظرياً حداً أدنى) بمراعاة أحكام الشريعة الإسلامية، كونها مرجعية التشريع وليس الشعب.

كما أن لأغلب دول المسلمين مرجعية دينية رسمية تحمل لقب «المفتي»، الذي يمتلك صلاحيات لها علاقة ــ أحياناً ــ بعمل الدولة وسياساتها العامة، بل أن بعض الحكومات تستند في بعض ممارساتها السياسية إلى فتاوى هذا المفتي، لإضفاء طابع الشرعية الدينية على تلك الممارسات، كما تخصص بعض الحكومات مؤسسات دينية لها حق الرقابة والفيتو على النتاجات الثقافية والفكرية والفنية ذات العلاقة بالموضوعات الدينية. أما على مستوى القضاء فهناك دول تحيل أحكام الإعدام على مفتي الدولة لإقرارها وإمضائها، وليس على رئيس الدولة، ما يعني أن الأحكام القضائية، ولا سيما ما يرتبط بالقوانين المدنية والجزائية، خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية.

ولكن؛ لايمكن إطلاق صفة «النظام الإسلامي» على مثل هذه الأنظمة، لأنها لا تدّعي ذلك أساساً، فضلاً عن وجود اختلاف بنيوي بينها وبين الحكم الإسلامي، فالأخير خاضع للدين والعقيدة والشريعة الإسلامية في هيكله ونظمه وممارساته، وكل مجالات حركته وعمله، بما في ذلك الأهداف والغايات والسياسات والمشروعية والأركان والسلطات والتشريعات والسلوكيات. وبالتالي؛ فالحكم الإسلامي لا يفصل ـ بأي نحو كان ـ بين العقيدة والشريعة من جهة، والدولة وأهدافها وقوانينها ونشاطاتها من جهة أخرى، لأنها دولة تأسست على العقيدة الدينية وليست دولة سياسية. أما الأنظمة التوفيقية الهجينة فهي تنتقي من التشريعات والنظم الإسلامية ما يناسب واقعها السياسي، وكذا تنتقي مايناسبها من التشريعات والنظم العلمانية.

ولا تتمثل مشكلة هذا التهجين في قاعدة الاقتباس من النتاجات البشرية المحايدة فكرياُ وفلسفياُ، أو ما يمكن أن يسمى بالأدوات والآليات والتقنيات، سواء في الجانب السياسي أو الاقتصادي او التعليمي أو التشريعي أو القضائي، وهي قاعدة مقبولة، بل تتمثل المشكلة في عشوائية التهجين المطبّق وعدم منهجيته، وخضوعه لرغبات الجماعات الحاكمة وأمزجتها ومصالحها وصفقاتها السياسية.

ولذلك؛ فإن تخلص الدولة من كل ألوان العبثية الفكرية المذكورة، يُعد الخطوة الأولى باتجاه إعادة بناء الدولة بناءً فكرياً منهجياً سليماً وواقعياً، وهذا لايعني دعوةً الى تأسيس دولة إسلامية عقائدية، وإن كان من حق الجماعات الإسلامية التنظير لذلك، ولكن الهدف يتمثل في بناء دولةٍ تستند الى التشريعات والنظم التي تنسجم وهوية الأمة، بكل مكوناتها وتوجهاتها الفكرية، وليس وفق منهجية الترضيات الإنفعالية والمزاجية. وهذه المهمة العلمية الفكرية الرصينة ينبغي أن لا يباشرها السياسيون، بل يتركونها للمفكرين والفقهاء وعلماء الاجتماع السياسي وخبراء القانون الدستوري. وستمثل نتاجات هؤلاء الاختصاصيين قواعد ملزِمة لمشاريع الدساتير والقوانين والنظم، لأن رفع التعارضات في مواد الدستور والنظام القانوني، سواء المتعلقة بالأسس الفكرية للدولة أو مؤسساتها، سيسد الذرائع والثغرات، التي ربما يسيء استغلالها المشرِّع أو التنفيذي الذي يعمل وفق تفسيراته الفئوية وايديولوجيته الخاصة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64