2022-05-24 00:07:20
مولَعٌ مُستجدّ بالقطط
عن التتلمذ على يد أطفالي، وفؤاد التكرلي، والسيّد جنجر
.
حيثُ نشأتُ، ويعرفُ جيلي، أنّ القطة لها طريقة واحدة للتعامل معها: حمل حجارة ورميها بأقصى ما بساعدِك من قوّة، ليست القطة فحسب، القطة، الكلب، وحتى الدجاج إن غفل عنه أصحابه، هكذا نشأتُ في مدينة الثورة (الصدر حالياً)، ولا أتصور أن الأمر مختلِفٌ في المناطق الأخرى، نشأنا أطفالاً مُخرّبين، ربّما كانت هذه الطريقة الوحيدة للتعبير عن الذات، حتى المزروعات لم تنجُ من أكفّنا، حتى قطع "الدار للبيع" أو "يوجد لدينا جبن عرب" المعلّقة على الدكاكين البسيطة.
بالنسبة لي لم أكن طفلاً متعلقاً بالشارع، أو أجيد ألعابه بشكلٍ يشبه تماماً أبناء المنطقة، لكن هذا لم يمنعني عن التماس مع هذا التوحّش، قتلتُ قطةً مرّةً، ضربتُها عدّة مرات بعصا خشبيّة، كنتُ في الثاني الابتدائي، ومرةً ضربتُ ديكاً صغيراً، بجهاز الهاتف الأرضي الثقيل في بيت جدي، حتى مات هو الآخر.
هذا ما جنيتُهُ حتى الثالث الابتدائي، وليست مبالغة إن قلتُ إنني أشعرُ بالعار حتى اللحظة، لا أجيد المغفرة لنفسي بسبب السن الصغير آنذاك.
كبرتُ، وما زلتُ أذكرُ حادثة، كتبتُ عنها منشوراً مقتضباً يومها، كنتُ عائداً في يوم شتائيّ ممطر، من شارع المتنبي الى عرصات الهندية حيث أعمل، كانت الشوارع بنسبة مياه عالية، وقرب مطعم "بونابتيت" آنذاك، كانت هناك قطة، وثلاثة من أبنائها الصغار، وسط الماء، كانت القطة حائرة تماما، بين حمل أطفالها، لكن إلى أين؟! نزلتُ من السيارة، وسط الماء، فتحتُ الصندوق، كان خالياً إلاّ من بضعة كتب، وصحيفة: الصحيفة ملحق خاص بفؤاد التكرلي، و٣ روايات له، كان عليها عرض خاص آنذاك: قلتُ لنفسي "سآخذ نسخاً غيرها".
صنعتُ من "خزين اللامرئيات" و"الرجع البعيد" و"المسرات والأوجاع"، شبه استناد لهذه المخلوقات التي لم تفتح عيونها بعد، نظرت لي القطّة الأم بحذر، ثم بامتنان، وضعتُ الثلاثة على الثلاثة، ووضعت عليهم الصحيفة، كان التكرلي يبتسم في البورتريه الخاص به، ولم أشعر أنني وضعتُ الكتاب بغير موضعه، بل بموضع أهم.
مضت الأيام، وكنتُ مُعارضاً تماماً لتربية حيوانات أليفة في البيت، فأنا أحتاج بيئة هادئة، ويكفي لعب الأطفال وضجيجهم اللذيذ، كي أجلب حيوانات أخرى، قلتُ بكل برود: غير سمك الزينة، غير مسموح باقتناء أي شيء، لأنها تشغل حيزاً واضحاً، ولا تصدر صوتاً.
لكن "أنا" كانت لها رغبة ثانية، حين حَمَت قطّة رماديّة من قطط متوحشة أخرى، هي وأخوتها، وقاموا بإيوائها، ومشاطرتها الحليب الخاص بهم، وهو من السوائل المقدسة، لأنه ما يُمزج مع "الكورن فلكس" و"كوكو بوبس"، وهو لعمري يعادلُ ما طلعت عليه الشمس بالنسبة لهم!
قالت أنّو ببساطة: بُسبُس علي وجيه.
جعلت لها اسماً ثلاثياً مثلهم، وكنتُ منزعجاً في البداية، حتى بدأت الآنسة بُسبُس تقتربُ من أقدامي، ثم ازدادت جرأتها، لتشاركني مشاهدة الفيلم أو القراءة وهي تنامُ على فخذي الأيمن.
القطط تعرف تماماً كيف تتمسكن، وتكون كائناً ألطف، أعلم أن محبي الكلاب يفضّلونه على الكائنات الأنانية ذات الفرو هذه، لكن الأطفال مضوا باتجاه هذه المنظومة، وليس إلى جانب الكلاب.
بُسبُس عادت بعد ليلة شباطيّة حمراء، مع قطّ ما، حاملاً، وبقيت نائمة طوال الوقت، تنظرُ لنا بكسل، لا تغادر من الكنبة إلاّ حين تطرحُ حاجتها خارجاً، أو تأكل، ثم تعود للنوم.
ومن العدم، قفز أمام الأطفال، القطّ الصغير هذا، وجلبوه من حديقة المجمع، أوشكتُ على أن أعيده، لكن ملامحه الخائفة المستغربة، وحركاته التي تشبه حركات الطفل ذي العامين، من زحف وقفز ونوم، لم أحتج إلاّ لساعة كي أتعلّق به هو الآخر، وأن يصل الحد إلى إرضاعه، ثم تنويمه، وأن تكون الأجواء هادئة، لأن الأستاذ "جنجر" كما أسمته أنّو أيضاً، نائم!
أنجبت بُسبُس ٤ قطط، ما تزال مغمضة العيون، مثل تلك التي وضعتُها على روايات التكرلي آنذاك، ما تزال في كرتونة في الطابق العلوي، بينما يصول ويجول "جنجر" حالياً، لأن "ظل البيت لأم طيرة" كما يقول المثل، بينما تكبر هذه القطط الأربع!
الطفلُ الذي كنتُهُ، لم يجد ضرّاً من قتل قطّة وديك صغير، وعدد لا يستهان به من الضفادع، الفئران، وغير ذاك من مخلوقات، لكن الطفل الحالي، الذي تعلّم على يد أطفاله، تعلّق بهذه المخلوقات، حتى أنني أحملُ همّاً، إن ذهبتُ لبغداد، والابتعاد المضاعف: عن أسرتي، ثم هذه الكائنات التي تصنع اليوم فعلاً!
219 views21:07