Get Mystery Box with random crypto!

#الفتوى_رقم_3270 د. يوسف الرخمي. ❃ #الثقافة_الإسلامية ❃ | فتاوى د. يوسف الرخمي

#الفتوى_رقم_3270

د. يوسف الرخمي.


❃ #الثقافة_الإسلامية ❃ #شبهات_وردود ❃
الرد على شبهة جمع البخاري لكتابه الصحيح من 600 ألف حديث


السؤال:
- هناك شبهة رائجة في مواقع التواصل يا شيخ تتعلق بصحيح البخاري، يقولون إن البخاري يقول عن نفسه أنه جمع كتابه الصحيح في 600 ألف حديث، جمعها في 16 سنة، وعلى افتراض أن البخاري كان يعمل في جمع الأحاديث طوال اليوم والليلة بدون أن يأكل أو يشرب أو ينام فإنه على هذا الحساب يحتاج إلى 14 دقيقة لكل حديث، فمتى سافر لأجل سماع الحديث؟! ومتى سمِعه؟! ومتى كتَبَه؟! ومتى حفظه؟! ومتى درس إسناده؟! ويقولون إن هذه الشبهة وحدها كافية في نسف صحيح البخاري من أساسه، فهل من رد على هذه الشبهة؟ بارك الله فيكم.


الإجابة:
- يمكن أن نعتبر هذه الشبهة دليلا واضحا على جهل وضحالة فِكر مروجي الشبهات، فمع كون هذه الشبهة متهافتة، ومبنية على معلومة مغلوطة، وتم بناؤها بطريقة ساذجة إلا أن صاحبها يعتقد أنه قد نسف صحيح البخاري من جذوره!! في حين أنه لم يزد على أن كشف جهله ومحدودية تفكيره، ويمكن بيان بطلان هذه الشبهة من خلال النقاط التالية:

هذه العبارة المنقولة في السؤال عن البخاري ليست صحيحة بهذا اللفظ، وقد حرّفها كاتبها تحريفا كبيرا غيّر معناها تماما، وأما العبارة التي قالها البخاري فهي كالتالي: (صنّفتُ الجامع من ستمائة ألف حديث، في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله) [فتح الباري 1/ 489]، فالبخاري لم يجمع هذا العدد من الأحاديث خلال ست عشرة سنة، بل جمعها قبل ذلك، وأما ما فعله خلال الست عشرة سنة فهو أنه انتقى من هذه الستمائة ألف ما صح منها ووافق شروطه ليضمه إلى كتابه الصحيح، والواقع أن هذه المدة طويلة جدا لمثل هذا العمل كما سيأتي بيانه، ولكنه لشدة تدقيقه وحِرصه وتأنّيه في جمع الصحيح استغرق هذا الوقت الطويل، ولذا قال البخاري عن نفسه: (ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين) [فتح الباري 1/ 489].

فانظر إلى جهل مروّج هذه الشبهة كيف أخطأ في نقل العبارة، وأخطأ في فهمها، وحوّلها من عبارة تدل على غاية الحرص والتأنّي والتدقيق إلى عبارة يطعن بها في صحيح البخاري.

إذن فمعنى كلام البخاري -رحمه الله- أنه كان قد فرغ من جمع الأحاديث الستمائة ألف قبل أن يشرع في تأليف كتابه، فلما أراد أن يؤلف كتابه استغرق مدة 16 سنة لانتقاء أحاديث الكتاب من هذا العدد الضخم، فعدد 600 ألف حديث هي المادة الخام التي استخلص منها كتابه وليس هذا عدد أحاديث الكتاب؛ فأحاديث صحيح البخاري أقل من هذا العدد بكثير، ولا تتجاوز (7397 حديث) مع حساب الأحاديث المكررة، وأما بدون المكرر فلا تزيد على (2602 حديث) كما أحصاها العلامة ابن حجر، بل إن الأحاديث الصحيحة في الكتب التسعة (وهي: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، والموطأ، والدارمي) لا تصل إلى (4000 حديث) بعد حذف المكرر منها، كما خلص لذلك العلامة الشامي في كتابه (معالم السنة النبوية).

هل تبلغ جميع الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 600 ألف حديث أصلا؟ الجواب أنها لا تبلغ هذا العدد، حتى لو جمعنا الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة فلن يصل مجموعها إلى هذا الرقم، وإنما مراد العلماء بهذا العدد ما اصطلحوا على تسميته بـ (الحديث) وإن لم يتضمن بالضرورة نصا مختلفا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم يعدّون كل طريق يُروى بها الحديث حديثا مستقلا، بحيث إن الحديث الواحد قد يدخل تحته مائة أو مائتين حديث بحسب اصطلاحهم، فمثلا حديث: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» هذا الحديث رواه من الصحابة أبو هريرة، وزيد بن خالد، وأبو بكر الصديق، وعلي، وعائشة، وابن عباس، وحذيفة، وأنس، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وأم حبيبة، وأبو أمامة، وأبو أيوب، وعبد الله بن حنظلة، وأم سلمة، وواثلة، وأبو موسى، فهؤلاء 17 راويا من الصحابة، ففي اصطلاح المحدثين كل رواية صحابي تعتبر حديثا مستقلا، فيقال 17 حديثا وإن كان لفظ الحديث (ويُسمى المتن) هو نفس اللفظ، فإذا افترضنا أن كل واحد من هؤلاء الصحابة روى عنه خمسة أشخاص فكل طريق من هذه الطرق الخمس تسمى حديثا في اصطلاحهم، وبضرب 5 في 17 يكون مجموع الأحاديث التي تفرعت عن هذا الحديث 85 حديثا، وحين يروي عن كل واحد من هؤلاء الخمسة راو مختلف تعتبر طريق هذا الراوي حديثا مستقلا ... وهكذا، ولتعدد طرق الحديث فوائد مهمة عند أهل الفن ليس هذا موضع شرحها، فإذا أضفنا لذلك تسميتهم للمرويات التي من كلام الصحابة، أو من كلام التابعين (أحاديث) نتج عن ذلك هذا العدد المذكور (600 ألف) بل وأكثر منه.