2021-07-21 19:30:06
قال الشيخ: روينا أن عمر "رضي الله عنه" كان ينهى عن المغالاة في الصداق, ويقول: "ما تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا زوَّج بناته بأكثر من أربعمائة درهم"، ولو كانت المغالاة بمهور النساء مكرمة لسبق إليها رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
وروينا عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خير النساء أحسنهن وجوهًا, وأرخصهن مهورًا".
فصاح السائل: يرحمك الله يا أبا محمد، كيف يأتي أن تكون المرأة الحسناء رخيصة المهر، وحسنها هو يغليها على الناس؛ تكثر رغبتهم فيها فيتنافسون عليها؟
قال الشيخ: انظر كيف قلت, أهم يساومون في بهيمة لا تعقل، وليس لها من أمرها شيء إلا أنها بضاعة من مطامع صاحبها يغليها على مطامع الناس؟ إنما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن خير النساء من كانت على جمال وجهها، في أخلاق كجمال وجهها، وكان عقلها جمالًا ثالثًا؛ فهذه إن أصابت الرجل الكفء، يسرت عليه، ثم يسرت، ثم يسرت؛ إذ تعتبر نفسها إنسانًا يريد إنسانًا، لا متاعًا يطلب شاريًا، وهذه لا يكون رخص القيمة في مهرها، إلا دليلًا على ارتفاع القيمة في عقلها ودينها؛ أما الحمقاء فجمالها يأبى إلا مضاعفة الثمن لحسنها، أي: لحمقها, وهي بهذا المعنى من شرار النساء، وليست من خيارهن.
ولقد تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض نسائه على عشرة دراهم وأثاث بيت، وكان الأثاث: رحى يد، وجرة ماء، ووسادة من أدم حشوها ليف. وأولم على بعض نسائه بمُدَّين من شعير، وعلى أخرى بمدين من تمر ومدين من سَوِيق, وما كان به -صلى الله عليه وسلم- الفقر، ولكنه يشرع بسنته ليُعلِّم الناس من عمله أن المرأة للرجل نفس لنفس، لا متاع لشاريه؛ والمتاع يقوَّم بما بُذل فيه إن غاليًا وإن رخيصًا، ولكن الرجل يقوم عند المرأة بما يكون منه؛ فمهرها الصحيح ليس هذا الذي تأخذه قبل أن تحمل إلى داره، ولكنه الذي تجده منه بعد أن تحمل إلى داره؛ مهرها معاملتها، تأخذ منه يومًا فيومًا، فلا تزال بذلك عروسًا على نفس رجُلها ما دامت في معاشرته. أما ذلك الصداق من الذهب والفضة، فهو صداق العروس الداخلة على الجسم لا على النفس؛ أفلا تراه كالجسم يهلك ويبلى، أفلا ترى هذه الغالية -إن لم تجد النفس في رَجُلها- قد تكون عروس اليوم ومطلقة الغد؟!
وما الصداق في قليله وكثيره، إلا كالإيماء إلى الرجولة وقدرتها, فهو إيماء، ولكن الرجل قبْل. إن كل امرئ يستطيع أن يحمل سيفًا، والسيف إيماء إلى القوة، غير أنه ليس كل ذوي السيوف سواء، وقد يحمل الجبان في كل يد سيفًا، ويملك في داره مائة سيف, فهو إيماء، ولكن البطل قبْلُ، ولكن البطل قبْلُ.
مائة سيف يمهر بها الجبان قوته الخائبة، لا تغني قوته شيئًا، ولكنها كالتدليس على من كان جبانًا مثله. ويوشك أن يكون المهر الغالي كالتدليس على الناس وعلى المرأة، كي لا تعلم ولا يعلم الناس أنه ثمن خيبتها؛ فلو عقلت المرأة لباهت النساء بيسر مهرها، فإنها بذلك تكون قد تركت عقلها يعمل عمله، وكفت حماقتها أن تفسد عليه.
فصاح رجل في المجلس: أيها الشيخ، أفي هذا من دليل أو أثر؟
قال الشيخ: نعم؛ أما من كتاب الله فقد قال الله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] . فهي زوجُه حين تجده هو لا حين تجد ماله؛ وهي زوجه حين تتممه لا حين تنقصه، وحين تلائمه لا حين تختلف عليه؛ فمصلحة المرأة زوجة ما يجعلها من زوجها، فيكونان معًا كالنفس الواحدة، على ما ترى للعضو من جسمه؛ يريد من جسمه الحياة لا غيرها.
وأما من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد روينا: "إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
فقد اشترط الدين، على أن يكون مرضيًّا لا أي الدين كان؛ ثم اشترط الأمانة، وهي مظهر الدين كله بجميع حسناته, وأيسرها أن يكون الرجل للمرأة أمينًا، وعلى حقوقها أمينًا، وفي معاملتها أمينًا؛ فلا يبخسها ولا يُعْنتها، ولا يسيء إليها؛ لأن كل ذلك ثَلْم في أمانته؛ فإن ردت المرأة من هذه حاله وصفته من أجل المهر, تقدم إليها بالمهر من ليست هذه حاله وصفته، فوقعت الفتنة، وفسدت المرأة بالرجل، وفسد هو بها، وفسد النسل بهما جميعًا، وأهمل من لا يملك، وتعنست من لا تجد، ويرجع المهر الذي هو سبب الزواج سببًا في منعه، ويتقارب النساء والرجال على رغم المهر والدين والأمانة؛ فيقع معنى الزواج، ويبقى المعطل منه هو اللفظ والشرع.
هل علمت المرأة أنها لا تدخل بيت رجلها إلا لتجاهد فيه جهادها، وتبلو فيه بلاءها؟ وهل يقوم مال الدنيا بحقها فيما تعمل وما تجاهد، وهي أم الحياة ومنشئتها وحافظتها؟ فأين يكون موضع المال ومكان التفرقة في كثيره وقليله، والمال كله دون حقها؟
148 views16:30