2022-04-23 05:32:27
وعد الصدق :
يظل القرآن العظيم نبعًا لكل علم وجوابًا لكل سؤال لمَن ابتغى الهدى منه، وإنَّ من نعمة الله على الإنسان أن يوفقه لما يطلب وأن يسدده في طريق طلبه .
والنظرُ في كتاب الله لطلب المقاصد وللبحث عن الأجوبة لا يعدله شيء، وإن كان النظر بحاجة إلى أصول ومعارف سابقة.
وإنَّ من المطالب العالية للمسلم، بل هو أولها، مطلب الصلة بالله سبحانه، وقوة إيمانه بربه.
لن يستيطع أحد أن يقول عن إيمانه إنَّه قوي! بل لا يظن ذلك إلا من هو مفتون أو على شفا فتنة، ولكن لابد من تفقد ومحاسبة
وطريق المعرفة بهذا المطلب الكبير هو النظر في القرآن الكريم، فهو البيان والتبيان
ولاتخاذ طريق القرآن وتأمله ثمرة عاجلة فوق الوقوف على الجواب، وهي أنَّه يجعل من الجواب معنىً من المعاني، "معنىً" يستقر في النفس ويسكن القلب، يعرفه صاحبه حين يلج، وإذا ارتفع وانخفض، وعندما يبتعد ويقترب .
١/ الصلة الربانية :
صلة العبد بربه سبحانه قائمة على العبودية لله سبحانه، وعبودية الله شاملة وواسعة، وركنها الأول هو توحيد الله
وإذا أراد الناظر أن يستخرج من شمول العبودية حبلًا متينًا يمكن أن يتخذه علامة جامعة لحال الصلة بالله، علامة تخبره عن إيمانه بربه وعن تمسكه بدينه
وبعد النظر في كتاب الله العزيز وجدت أنها علاقة "التصديق بوعد الله"، الوعد من الله والتصديق من العبد
فكل ما يُخبر به الرب، وكل ما يُشرع من الله، فهو وعدٌ منه، وعلى العبد التصديق بالخبر والتصديق بالشرع
هذا هو الجواب -والعلم عند الله-، وهو معنىً مسكنه في النفس وثمرته في العمل
ولو تدبرنا القرآن وليس في أذهاننا إلا هذا المعنى لذهلنا من الغفلة التي كنا فيها!
فالعلاقة الربانية مدارها على "تصديق الوعد الإلهي".
وهنا وقفات في معنى الوعد والتصديق :
- إنَّ أصل الإيمان هو التصديق، التصديق بكل ما يأتي من عند الله
أمَّا الأخبار :
فكيفية تصديقها تجده في القرآن، بأن تراها كأنها حاضرة أمامك أو كأنها واقعة الآن، وليس بمجرد أصل التصديق وإيمان العقل!
أن ترى آيات الخلق والتقدير، وآيات اليوم الآخر والحساب والمصير، وأخبار الماضين، واقعةً وأنت تتلوها أو ستقع وأنت شاهد
وأمَّا التشريع والأحكام :
فتصديقها ليس بمجرد الامتثال، بل به مع التصديق بحصول الرضا من الله وثبوت الأجر ووقوع الثواب.
وبهذين يحصل المعنى للوعد والتصديق به .
- المراد بكون الوعد الرباني معنى في قلب المؤمن أن يكون هو النبض القريب الحاضر الجامع لصلته بربه، وهو معنى يزيد وينقص، ويقرب ويبعد، ويجمع سائر المعاني فيه ويردها إليه .
- بما أنَّ هذا التصديق بوعد الله منبعه القرآن العظيم، فإنَّ لزوم القرآن يعني بقاءه وتوثيقه، وإعادته وتجديده
وهو من أعظم ثمرات القرآن في بناء الإيمان وصيانته
فالقرآن يقوّي هذا التصديق ويؤكّد الوعد في قلب المؤمن .
- التصديق بهذا الوعد هو الذي يدفع لكل خير، ويطرد الفتور والكسل، ويوقظ من الغفلة، ويردُّ بعد الغيبة
إنَّه الدافع لها كلها، كما أنَّه الحادي في الطريق كلما ضعفت النفس أو غزتها الوساوس
فما الذي يجعل المؤمن يُجهد بدنه في الطاعات، وينفق ماله الذي تشح به النفوس، ويخفض عزته للمسلمين؟ (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم، في أصحاب الجنة، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون)
وما الذي يرغّبه في الرجوع بعد الإباق، ويؤكد له أنَّ الباب لن يُغلق دونه؟ (والله يعدكم مغفرة منه وفضلًا)
إنَّه الذي تثبت به الأكفُّ الداعية مهما طال أمد الإجابة، ولو انتهى إلى يوم الجزاء (أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي)
وهو الذي يثبت المؤمنين في أصعب المواقف وأثقلها (وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزوا زلزالًا شديدًا)
بل بتذكُّرهم للوعد وتجديد ثقتهم به يزداد تصديقهم حتى في هذه الكروب (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانًا وتسليمًا)
وبه يتميز المؤمنون الصادقون من المنافقين ومرضى القلوب (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا) .
- إنَّ وعد الله للمؤمنين سابقٌ على وجودهم (وبشّر الذين آمنوا أنَّ لهم قدم صدق عند ربهم)، وعلى المؤمنين تصديق حتى سبْق الوعد لهم، وهو ما يزيدهم ثقة وثباتًا.
- ووعد الله واسع شامل، فكما أنَّه يشمل وعد الأخبار ووعد التشريع فهو مذكور في القرآن بكل ما يدل عليه وليس محصورًا بلفظ الوعد :
وذلك مثل لفظ الجزاء (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله)
ومثل الأساليب الدالة عليه، كالشرط وجوابه (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه)، وما في حكم الشرط كالأسماء الموصولة (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه)
426 viewsعبدالشكور, 02:32