2020-08-19 15:52:53
[4/1]
رسالةٌ إلى القائد العام لهيئة تحرير الشام
الشيخ أبي محمد الجولاني وفّقه الله..بعد حمدِ اللهِ وشُكرِه على نِعَمِه وابتِلاءاتِه، فكلُّ أَمرِ المؤمنِ خير، ولا يَكونُ ذلك إلا للمؤمن، فهذه رسالةٌ من أقصى جنوبِ الشام من أكناف بيت المقدس، من مسلمٍ ليس بِذِي شأن، يَنتظرُ -استبشارًا بما ثَبَت مِن فضلٍ للشامِ وأهلِها ومَن هاجر إليها- مع من يَنتظرُ في فلسطينَ؛ جحافلَ أجنادِ الشام لتحرير مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن صارت فصائلُ فلسطينَ إلى ما صاروا إليه، فشأنُ الشام -الآن خاصَّةً بعد ثورتِها وكلّ آن- يعنينا نحن الفلسطينيون؛ كما يعني كلَّ مسلم، وهو ليس شأنا داخليا لأهل الشام لنُنهى عن الحديثِ فيه؛ نُصحًا لله.
فيا أبا محمد، السلام عليك وعلى عباد اللهِ الذين اصطفى، وشرح اللهُ صدرك وألهمك السداد والتقى.
فما هذه إلا نصيحةُ مسلمٍ لأخيه، فلا تَحمِلها إلا على أحسنِ المَحامل، فإن رأيتَ فيها صراحةً فخذها على وجهِ قصدِ الخير، ومِثلُك أهلٌ لهذا كما نرجو.
يا أبا محمد، لقد أكرمك اللهُ فكنتَ سببا بارزا مِن أسبابِ مَنْع تغوّلِ تنظيم الدولة على المسلمين، وأظنه -إن صدقتَ مع اللهِ- مِن أرجَى الأعمالِ التي تَتقرَّبُ بها إلى ربِّك، أفرأيتَ إن وَجدتَ عملًا تُقابل به اللهَ أرجَى من هذا العمل؟
أن تَكُونَ سببا لجمع الصفوف والقلوب، وأيُّ عملٍ أرجَى من هذا!
لقد سعيتَ مِن قبلُ لجمع الصفوف، وأسّستَ مع إخوانك هيئةَ تحرير الشام لأجل هذا الهدف كما أعلنتم، ثم ما لبثتم حتى تَفرّقَ أهلُ الجهادِ في الشام إلا على الهيئة! فَهَلّا مُعاودَةً إلى أمْرِ اللهِ بالاجتماع؟
أتَعجزُ أن تَجمعَ أهلَ الحَلِّ والعَقد فيما تَبَقّى مِن أرضِ الشام؟ مِن قادة الجماعات وطلبة العلم وذوي الخبرة العسكرية والوجهاء؛ خالفوا سياساتِك أم وافقوها؟ مِنَ الذين عُرِفوا بسعيِهِم لإرجاع شرع اللهِ بشرع اللهِ لا بأيِّ طريقٍ سِواه؟ وما أكثرَهُم بينكم بفضل الله، فلستَ والله عاجزا عن ذلك، وأنت الذي لم تَعجز عن فرضِ ما تظنه صوابا بالقوة والجبر.
أتَعجزُ عن جَمْع مثلِ هذا الجَمْع لتقول لهم هاكم جماعتي بين أيديكم، أُخَفِّف عن كاهلي وأُثقِلُ كاهلَكُم، وأنا الجولاني لا أطلُبُ مكانةً ولا منصبا، فأينما رضيتم أن أكُونَ استعنتُ بالله وأدّيتُ الذي عليّ مِن حَقِّ اللهِ وحقوقِ عبادِه، وإن قدمتوني تقدّمتُ مُكرَهًا حَملًا للأمانة، وإن أخرتموني تأخرتُ راضيا ذاهِلًا عن ثِقَلِها، وأينما صِرتُم صِرتُ معكم، وأينما سِرتُم فَعَلَى خَطوِكُم، ومن كان له مَظلَمةٌ عندي فليأخذ حقه في الدنيا أو ليسامحني، قبل أن لا ينفع مال ولا بنون، ولا جاه ولا مكانة.
أتظنني أطالبك بأمرٍ يُعجزك؟ فتَذَكّر يا أبا محمد أنك مُفارقٌ؛ ومهما طال بك المُقام فلن يَطول في هذه الدنيا الزائلةِ بمتاعها، وما بينَك وبين لقاء اللهِ إلا قذيفةٌ أو رصاصةٌ غادرةٌ من أعداء الله، وإن طال بك عُمُرُكَ فإلى الله مصيرُك وحيدا، فَهَلّا عَجّلتَ بأمرٍ لا يمكِن أن يقوم به سِواك؟
ووالله يكفي أن تعلمَ أنّ جَمْعَ الصفوفِ والقلوبِ أمرٌ لا يستطيع الآن مِثلَه إلَّاك؛ لكي تَشيبَ مَفارِقُ رأسك فَرَقًا من لقاء اللهِ قبلَ أن تؤدي أمانةَ المكانِ الذي استرعاه اللهُ إياك؛ واختَصَّك به دُون غيرك، فهلَّا تأمّلتَ عِظَم الأمانة الملقاة على كاهلِك؟!
صدقني يا شيخ لن تَنفعَك أيُّ حجةٍ مهما تزيّنَت أمام ناظريك.
فإن قُلتَ سعيتُ وما وُفِّقتُ فهذا عُدْ به إلى نفسِك متّهِمًا إياها، فما كان اللهُ لِيَحرِم قومًا التوفيقَ إلا بِكَسْبِ أيديهِم، ثم بعد اتهام نفسِك عُدْ إلى سَعْيِك مَرّةً ومرات، فلربما ما كنتَ تظنه بابا موصَدًا يفتحه الله لك، بل إنّ اللهَ فاتحُه يقينًا إنْ أنت قَدَّمتَ الذي عليك وتقدّمتَ.
وإنْ قُلتَ أنّ الأمرَ عظيمٌ والأمانة ثقيلةٌ ولا نريد أن تقع الأمانةُ في أيدٍ ليست أهلًا؛ فهذا سوءُ ظنٍّ بالله الذي أمَركُم بالاجتماع، أعاذكم الله من ذلك، فمن أمَركُم لن يُضَيّعَكُم إن أطعتموه باجتماعكم، وسُيوفِّقُ أهلَ طاعتِه إلى ما يَحفظون به دِينهُم ودنياهم، كما وأنّ حجَّتَك هذه سوءُ ظنٍّ بالمسلمين وتزكيةٌ لنفْسِك ولخاصَّتِك من حيث لا تعلمون، فالشامُ بارك اللهُ في أرضِها وأهلِها، ولن تَكونَ الأمانةُ في أيدي أهلِ الحَلِّ والعَقد فيها إلا مُصانةً، وإنْ ظننتَ أنك وخاصتك أقدَرُ مِنْ خاصّةِ أهلِ الشام إن اجتمعوا فهذه مزلّةٌ عظيمة، وبابُ شَرٍّ للشيطان تفتحه على نفسك.
وإنْ قُلتَ أنّ ما بَنيتَهُ مع جماعتِك يجب أن يَتِمّ الحفاظ عليه، قلنا أيْ نعم، فَما أَمْكَنَكم اللهُ منه اليومَ مِن إمكاناتٍ وقدراتٍ ومؤسّساتٍ يُبنَى عليه ولا يُهدَم، ولا يقولُ عاقلٌ بتجاوزِ ما بنيتموه، فهذه المُقدّراتُ ليست مِلكَك ولا مِلكَ مَن بناها، ولا مِلكَ من يطالِب بتجاوزها، بل هي مِلكٌ للمسلمين، ولقد استخدمك اللهُ فيها، فأدِّ حقّها كي لا يَكُون عَطاءُ الله استدراجًا لك من حيث لا تعلم.
يُتبَع [4/2]
15 views12:52