Get Mystery Box with random crypto!

هدوء العواصف الفصل الثاني مرت الدقائق وانتهت المقرئة الجماع | راتيل سعد

هدوء العواصف

الفصل الثاني

مرت الدقائق وانتهت المقرئة الجماعية وجلست تُراجع ما حفظت حتى أتى دورها، جلست أمام المُعلمة وتلت ما تيسر من سورة يوسف؛ ولكن قاطع تلاوتها صوت رنين الهاتف فطلبت من مُعلمتها أن تُجيب نظرا بأن المتصل والدها، أنهت المكالمة وتعابير الصدمة تعتلي ملامحها فقاطع شرودها صوت المعلمة...
_ حفصة سأراجع لكِ الآية السابقة لتُكملي ﴿قالوا تَاللَّهِ تَفتَأُ تَذكُرُ يوسُفَ حَتّى تَكونَ حَرَضًا أَو تَكونَ مِنَ الهالِكينَ﴾.
هربت الدموية من وجه حفصة واجتمعت الدموع في عينيها ثم قالت..
_ ﴿قالَ إِنَّما أَشكو بَثّي وَحُزني إِلَى اللَّهِ وَأَعلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ﴾
وظلت تكررها كثيرا قبل أن تهوي مغشي عليها، وبعدما استعادت رشدها هرولت إلى المستشفى وبحثت كالمجنونة على رقم الغرفة بعدما سألت الإستقبال، فوجدت أباها واقفا في طرقة بين الغرف، وقفت أمامه وأمسكت بكفيه وكأنها ترجوه أن يصَدّق على كلامها...
_ أمي بخير أليس كذلك يا أبي؟
ضمها والدها بين ضلوعه، ظلت حفصة تبكي وفي لحظة سقط نظرها على شيء جعل الدماء تفور في رأسها..
_ ما الذي أتى بهذه المرأة إلى هنا؟ اغربي عن وجهي وإلا ارتكبت فيكِ جريمة قتل.
أمسكها والدها وأحكم قبضته ....
_ حبيبتي، لولا زوجة عمك لما علمنا بموت أمك.
_ أمي لم تمت، أمي بخير يا أبي هي فقط تتدلل لترى كم نحمل لها من الحب...
سكتت وكأن عقلها بدأ يعمل...
_ أنتِ من قتلتيها أليس كذلك؟ أنت تكرهين أمي منذ زمن وتمنيت أكثر من مرة أن ترحل عن الدنيا، بل وكنت تزيدين من الدعاء عليها، والجميع يعلم أنكِ ممنوعة من دخول منزلنا؛ فكيف علمتِ أولا بموت أمي؟
بكت زوجة عمها وحاولت ألا تتلعثم حتى لا تؤكد كلامها...
_ من الواضح أن تأثير الصدمة عليكِ أفقدك عقلك، أنا لم أفعل شيئا، وهل هذه شكرا التي يجب أن توجهيها إليّ؟
انفجرت حفصة في وجهها...
_ ولِما أقول لكِ شكرا؟ هل لأنكِ نجحتي أخيرا في مخططاتك وتخلصتي من أمي وظل الطريق للوصول إلى أبي فارغا؟
تدخل والدها ليسيطر على الموقف..
_ حفصة يجب أن تهدأي وتراجعي كلامك؛ لأنه من الواضح أن تأثير الصدمة عليكِ كان كبيرا.
_ سأذهب للطبيب لأسأله عن شيء.
ترجلت حفصة إلى غرفة الطبيب والدموع تسيل من عينيها كالشلال، كانت دقات قلبها تتسارع وكأنه مشترك في مسابقة ركض، وأخيرا وصلت إلى وجهتها..
_ السلام عليكم، أمي بخير أليس ذلك؟ أخبرني أنها بخير أرجوك.
وقف الطبيب والصدمة تعتلي وجهه وبدأت علامات الاستفهام في الظهور..
_ اهدأي، إن شاء الله ستكون بخير؛ ولكن من تكون أمكِ؟
ردت عليه حفصة وقد زادت دموعها وكانت تشهق بين الكلمة والأخرى ..
_ السيدة فاطمة التي قلت أنها ماتت بذبحة صدرية.
فُتح الباب فجأة ونظر الطبيب إلى الشخص الذي يمسك قبضة الباب وبدأ يتلعثم..
_ هي.. نعم.. السيدة فاطم..
_ لماذا تلعثمت هكذا؟
ثم نظرت خلفها فوجدت زوجة عمها تقف على الباب والشر يتطاير من عينيها وتبتسم بسخرية..
_ حسنا، فهمت، خُنت مهنتك واستلمت بعض الرشوة، والآن تأكدت أنكِ من قتلها.
هرولت حفصة إلى أبيها، وقلق الطبيب ولكن زوجة عمها طمأنته أنها لن تفعل شيء ولا داعي للقلق، وقفت حفصة أمام أبيها وصدرها يصعد وينزل بسرعة شديدة إثر الركض..
_ أبي، أمي لم تمت بذبحة صدرية، أقسم لكَ بذلك، أرجوك يجب أن نطلب تشريح جثتها، أرجوك يا أبي.
احتضن والدها وجهها بكفيه ليلتقط الدموع بإبهامه..
_ حبيبتي، يجب أن نؤمن بقضاء الله وقدره فالموت واحد.
_ ولكن اختلفت الأسباب يا أبي.
_ ولمَا النهش في عظامها؟ والأهم أنه تم تغسيل أمك، لنؤمن بقضائه؛ لأنه لا فائدة من فعل ما تطلبيه، لن يُعيدها إلى الحياة.
_ ولكن يا أبي...
_ لنوحد الله ونؤمن بقدره؛ لأنه ليس لدينا سواه.
ارتمت بين ذراعيه وظلت تبكي، وظل والدها صامدا علّه يهون عليها وفجأة انفجرت تلك القوى دموعا في عينيه، وانهدم الصمود المتوغل بداخله وبكى كالأطفال، نظرت إليه حفصة ونشّفت الدموع من على وجنتيه..
_ نحن لله وإليه راجعون يا أبي.
قاطعهم صوت الممرضة وهي تخبرهم بأنه بإمكانهم إلقاء النظرة الأخيرة على السيدة فاطمة، دخلوا إليها وجلس كل منهما على طرف من السرير..
أمسك الزوج وجهها وبكى..
_ عُودي وسأخبرك بأشياء تجعلكِ سعيدة، أعدُكِ بذلك، سأخبرك عن مدى حبي لكِ وامتناني الشديد لوجودكِ دائما دون كلل أو ملل، سأخبركِ أن دفء العالم كله يكمن في ابتسامتك.
أمسكت حفصة كف أمها وأخفضت رأسها لتلامسه..
_ لقد أفقنا من شرودنا يا أمي، استوعبنا أن الحياة تكمن في وجودك، ولكن جاء الاستيعاب متأخرا، نحن نحبكِ يا أمي.
ظلا يبكيان ويقَبّلان جبينها مرة وكفها في مرات أخرى، دخلت الممرضة وأخبرتهم أنه حان وقت الصلاة عليها والدفنة، كان الزوج وصل إلى أعلى درجات الحزن، مر الوقت وتمت مراسم الدفنة وأخذ العزاء.