Get Mystery Box with random crypto!

هدوء العواصف. الفصل الثالث. ابتسمت حفصة وسكت والدها دقائق ثم | راتيل سعد

هدوء العواصف.
الفصل الثالث.

ابتسمت حفصة وسكت والدها دقائق ثم تحدث بتردد..
_ حفصة، فعلت لكِ ما أردتيه هل يمكن أن تفعلي لي شيئا أريده؟
_ بالطبع يا أبي.
_ سأعقد قراني على زوجة عمك الليلة.
نظرت إليه حفصة وكأنها تنتظر أن يخبرها بأنها مزحة لطيفة؛ لكنه صمت وبدى كلامه صدقا وملامحه جامدة لا تدل على مزاح أبدا.
_ أنت تخبرني فقط، أنت لا تنتظر مني الرفض أو القبول أليس كذلك؟
تحدث والدها وبدى وكأنه مغلوب على أمره..
_ عماتك هن من طلبن مني ذلك، لأنك تعلمين أن عمك ميت منذ أعوام عديدة، وهي معها أولاد ولا تستطيع إعالتهم بمفردها.
ردت عليه حفصة باستغراب وحزن شديدين..
_ فتتزوجك أنت، وما المطلوب مني الآن؟
_ أريدكِ أن تعامليها بلطف، وتأتي معي الليلة.
_ سأحاول جاهدة ألا أتعامل معها، وسامحني لن أستطيع المجيء معك.
_ لماذا يا حفصة؟
_ وما زلت تسأل عن السبب؟ سامحني، يمكنك أن تذهب وأنا سأزور قبر أمي.

تم عقد القران وانتقلت زوجة عمها للسكنة معهم، وعندما دخلت وجدت حفصة تجلس في صالة البيت، همت أن تحتضنها ولكن أوقفتها حفصة وابتعدت عنها..
_ لن تأخذي مكان أمي مهما حاولتِ.
ثم أخفضت صوتها وتحدثت بهمس..
_ ولا تحاولي التلوين كالحرباء وإلا سأخبر أبي بكل شيء، لا أحب النفاق يا زوجة أبي.
صمتت حفصة ثم ترجلت خطوات نحو أبيها..
_ مبارك يا أبي، وسامحك الله على ما ابتليتني به.
ترجلت خطوات ثم وقفت مكانها وتحدثت بحزن بالغ..
_ اتصل يونس وطلقني وأخبرني بأنه بدأ في إجراءات الطلاق، إن اتصل بك أخبره بأنني عفوت عن الصداق.
في هذه اللحظات مهما كانت المرأة قوية فإن قلبها يتفتت لمَا وصلت إليه، همّ والدها أن يختضنها لكنها ابتعدت بعض الخطوات عنه..
_ إنها ليلتك الأولى في زواجك الجديد، لا أريد أن أخرب عليكما.
دخلت حفصة غرفتها وانفجرت من البكاء وكانت تهون على نفسها بأنه وإن كثُرت العواصف فلا بد من هدوءٍ يُرممُ مُرَّ ما أصابنا.
وبعد يومين دخلت زوجة أبيها الغرفة وهي تتحدث بتهَكّم..
ومتى سَتَلِدُ الأميرة؟ لا أعلم إلى متى سأتحمل وجودك اللعين في هذا البيت، ليت زواجك اكتمل لأتخلص منك، لأنه لم يبقى في طريقي سواكِ يعوق كل مخططاتي.
استيقظت حفصة وقد زفرت بقوة لتحافظ على هدوئها..
_ صباح الخير يا زوجة أبي..
ثم تمتمت بصوت مسموع..
_ رغم أن الصباح الذي يبدأ بكِ لا يزوره الخير مطلقا، ما الأمر الذي ساق بكِ إلى غرفتي؟
رفعت حاجبها لتكمل الحديث على غرار ما سبق..
_ لقد غفوتِ دهرا.
مسحت حفصة عينيها ثم ارتدت نظارتها ورفعت حاجبيها ليلتصقا ببعض وابتسمت لتجيب ببرود شديد..
_ سريري لم يشتكِ بعد.
اعتلت العصبية وجهها لتضغط على أسنانها قائلة..
_ إن والدك يريد التحدث معكِ، لتنهضي من على البيض قليلا.
_ إن انتهيت من تبليغ رسالتك يمكنكِ الخروج.
نظرت إليها وقد ازدادت عصبيتها وبعد خروجها بكت حفصة كعادتها وكأن دموعها أصبحت حرة، ولا شيء تفعله في يومها سوى البكاء والنوم، فبسملت وحوقلت ثم قامت لتتوضأ لعَلّها تهدأ، وارتدت ثيابها واتجهت إلى غرفة المعيشة حيث يجلس والدها ألقت عليه تحية الإسلام ثم انحنت لتقبل كفه..
تحدث معها بحنان بالغ وابتسامة لم تغب عن وجهه ثانية...
_ هل أنتِ بخير الآن؟
أجابت بابتسامة مماثلة..
_ لن يزورني إلا الخير دُمت معي يا أبي.
نظر والدها إلى الأرض والخجل يعلوا وجهه، ليس إثر كلامها بل استعدادا لما يود قوله..
_ أحدهم تقدم لخطبتك.
مطّت حفصة شفتيها مستغربة...
_ ومن ذا الوقح الذي يتقدم لخطبة فتاة لم يمر على طلاقها يومين؟
أعاد الأب نظره إليها مرة ثانية..
ما أريدكِ أن تفهميه أن الحياة لا تقف على أحد يا حفصة.
انفعلت حفصة قليلا ليعتلي صوتها وهو نادرا ما يحدث منذ فترة...
_ الحياة لا تقف على أحد؛ لكنها تقف احتراما لحزننا، تقف لأجلنا لكي ننهض ونسير في دروبها الغامضة ثانية.
نظر إليها والدها؛ فانتبهت لصوتها ثم أردفت بتلعثم..
_ آسفة يا أبي، حسنا.. م.. من الذي طلبني للزواج؟
_ ستعرفين الليلة ولكن..
ثم نهض من مكانه فقامت هي الأخرى احتراما له، ترجل حتى وقف أمامها..
_ كل الفتيات يسعدن فور تقدم رجل لخطبتهن، إلاكِ يا حفصة، لماذا أرى التردد والغضب هو تعبيرك الأول فور سماعكِ ذاك الخبر؟
_ لأنني لم أُخلق من ضِلع جميع الرجال، لا أريد رجلا تسعد درجات السُلّم لأنه يصعد لخطبتي، ولا أريد أن يحتضن خاتمه قلبي قبل بُنصري، لأن كل هذا سيحدث بالفعل إن سعد ضلعي بمجاورة ضلعه؛ حينها ستلتحم ضلوعنا يا أبي...
قاطع حديثها دخول زوجة أبيها وهي تتحدث بحنان يكسوه التمثيل والقسوة..
_ لكننا نطوق لرؤيتك في الأبيض يا حبيبتي.
ابتسم الأب ثم خرج من الغرفة؛ وآمالت حفصة برأسها نحو زوجة أبيها..