Get Mystery Box with random crypto!

_ سبق وأن قلت تجردي من ثوب التمثيل وإلا سأفضح أمرك. ضحكت الأخر | راتيل سعد

_ سبق وأن قلت تجردي من ثوب التمثيل وإلا سأفضح أمرك.
ضحكت الأخرى وأتبعت بثعبانية...
_ الكفن أيضا أبيض اللون يا عزيزتي، لنرى أيّا منها سترتديه أولا.
نظرت إليها حفصة بازدراء ثم رحلت...
هبطت السلم لتسمع كلمات القيل والقال التي تنهش في لحمها، فواحدة تواسي وأخرى تمصمص شفتيها وتدعوا لها بالإعانة على ما حلّ بها، أعرضت عن الجميع وترجلت للمسجد؛ فهو المكان الآمن الوحيد التي توقن أنه لن يتغير ولن يسكنه الثعابين.
جاء وقت المقرأة الجماعية وكانت حفصة شاردة تُحرك شفتيها ولكنها لم تتمعن في معاني الكلمات الخارجة من فمها.
جاء دورها ودخلت لتقرأ ما تيسر من سورة البقرة ومن ثم وصلت إلى ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلّا وُسعَها لَها ما كَسَبَت وَعَلَيها مَا اكتَسَبَت رَبَّنا لا تُؤاخِذنا إِن نَسينا أَو أَخطَأنا رَبَّنا وَلا تَحمِل عَلَينا إِصرًا كَما حَمَلتَهُ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعفُ عَنّا وَاغفِر لَنا وَارحَمنا أَنتَ مَولانا فَانصُرنا عَلَى القَومِ الكافِرينَ﴾
قامت المعلمة وأمسكت كف حفصة ووقفت في منتصف المسجد..
_ آمين آمين، أتمت حفصة اليوم حفظ القرآن الكريم كاملا، لنسأل الله لها جميعا أن يذكرها منه ما نسيت ويعلمها منه ما جهلت ويرزقها تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وأن تُلبس والديها تاج الكرامة يوم القيامة، بعد وفاة والدتها عاهدت حفصة نفسها أن تختم القرآن في أسرع وقت حتى تشفع لأمها وتُلبسها التاج، لأجل هذا فليتنافس المتنافسون، لندعوا جميعا لوالدة حفصة بالرحمة والمغفرة ولحفصة بالثبات والهداية.

قامت جميع الفتيات بالتأمين والمباركات لحفصة، نكاد نقسم جميعا أنه لا يوجد أجمل من تلك المباركات على شيء قدّمك خطوة لرب العزة، هي لحظة تُمزج فيها المشاعر، فلا تسأل لمَا الدموع والضحك معا، فوالله لم يُصاب صاحبها بالجنون ولكنه الآن فقط يعود إلى رشده، فما أجمل السير في طريق الله.
مر الوقت ولكن بسرعة البرق؛ وكأن عقارب الساعة غيّرت اسمها، عجيب أنه عندما تنتظر شيئا بفارغ صبرك وتتحمس لحدوثه تقوم عقارب الساعة بدورها على أكمل وجه وهي تُقلد السلحفاة، وعندما تكره حدوث شيء فوالله لا يأتي أسرع منه، أعتقد لذلك سُميت عقارب فهي لا تفعل ما نريده مهما كلفها الأمر.
كل فتاة عندما يتقدم لخطبتها أحد تسعد وتستعد منذ معرفتها بالأمر، ولكن حفصة كانت حزينة وتعابير الضيق تعتلي ملامحها، حلّ الليل وكانت لم تستعد بعد لمقابلة ذاك الأحمق، رن جرس الباب وهمت أن تفتح وهي ترتدي ملابس الصلاة فأبصرتها زوجة أبيها ونهرتها لكنها لم تهتم..
_ هل ستفتحين بتلك الملابس؟
أخفضت حفصة جفنيها وتحدثت بتضجر..
_ وهل يهمّك الأمر؟
عقدت زوجة أبيها يديها وابتسمت بشرّ..
_ ومن سيهتم لخروجك من البيت سواي؟
همّت حفصة أن تجيب ولكن جاء والدها..
_ لما هذا الوقوف؟ وما هذه الملابس يا حفصة؟
_ وما بها ملابسي يا أبي؟ إنها ملابس الصلاة.
_ لكل مقام مقال يا عزيزتي وكذلك لكل مناسبة ثوبها الخاص.
قاطعتهم زوجة الأب وقد رسمت على وجهها البراءة..
_ هذا ما كنت أود إعلامها به.
نظرت إليها حفصة بازدراء ثم اتجهت إلى غرفتها، وفتح والدها الباب للضيوف.
ارتدت حفصة اعتق ملابس عندها؛ لكنه العتيق في الأسوء وليس العتيق في القيمة، خرجت وهي تجرّ قدميها بكسل ثم دخلت غرفة المعيشة وهي تغض طرفها ليس استحياء فقط بل تجنبا لأي نظرة كره تخرج من عينيها..
_ السلام عليكم.
ردوا السلام واستأذنوا جميعا حتى يتركوا لهما المساحة للحديث..
_ كيف حالك يا حفصة؟
نظرت حفصة لمصدر الصوت وابتسمت بشفقة على غبائه..
_ حقا؟ وتظن أنني سأقبل الزواج بك؟
_ وما هو الشيء الذي يعوق ذلك؟
_ أن زوجة أبي تكون خالتك، بيت الأفاعي لا يخرج منه سوى السم.
_ وما هو ذنبي في كونها خالتي؟ أنا لم أختر أقاربي يا حفصة.
_ ما يعجبني في عائلتكم أنكم تجيدون التمثيل جيدا.
ابتسم بثعبانية ثم أردف..
_ وما يعجبني فيكِ أنكِ ذكية وتستطيعين تمييز المزيف من غيره.
صمت قليلا ثم أتبع على غرار ما سبق بعدما كُشف أمره..
_ ولكن عواقب رفضي لن تستطيعِ التصدي لها.
_ أأعتبر هذا تهديدا واضحا؟
_ لا، سامح الله، أقصد أنكِ لن تستطيعي تحمل كلمات القيل والقال والنظارات التي تأكل في لحمك وأنتِ حية، لأنه وكما نعلم جميعا أنتِ مطلقة ولا أحد يتقدم لمطلقة، والذي نعلمه أيضا أن المطلقة أي رجل يتقدم لخطبتها توافق دون تردد حتى ينقذها من سماع كلمات تؤذيها، فماذا عنكِ؟
_ هي مشكلتي وأنا من سأتحمل عواقبها؛ فلمَا تأخذ من وقتك لتفكر في أحداث حياتي، من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، المعذرة سأخرج.