Get Mystery Box with random crypto!

إنّ سيرة المسلمين في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وبعدها، ا | 💍 دروس في تفسير القرآن 💍

إنّ سيرة المسلمين في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) وبعدها، استقرت على أنّهم كانوا يتوسلون بأولياء الله والصالحين من عباده، دون أن يدور في خلد أحد منهم بأنّه أمر حرام أو شرك أو
بدعة، بل كانوا يرون التوسل بدعاء الصالحين طريقاً إلى التوسل بمنزلتهم، وشخصيتهم، فانّه لو كان لدعاء الرجل الصالح أثر، فإنّما هو لاَجل قداسة نفسه وطهارتها، ولولاهما لما استجيبت دعوته، فما معنى الفرق بين التوسل بدعاء الصالح وبين التوسل بشخصه وذاته، حتى يكون الاَوّل نفس التوحيد و الآخر عين الشرك أو ذريعة إليه .

إنّ التوسل بقدسية الصالحين، والمعصومين من الذنب، والمخلصين من عباد الله لم يكن قط أمراً جديداً بين الصحابة بل كان ذلك امتداداً للسيرة الموجودة قبل الاِسلام، فقد تضافرت الروايات التاريخية على ذلك وإليك البيان :

١ . استسقاء عبد المطلب بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهو رضيع :

لقد استسقى عبد المطلب بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهو طفل صغير، حتى قال ابن حجر: إنّ أبا طالب يشير بقوله:
وابيض يستقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للاَرامل
إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي (صلى الله عليه وآله) معه غلام .

٢ . استسقاء أبي طالب بالنبي (صلى الله عليه وآله) :

أخرج ابن عساكر عن ابن عرفلة، قال: قدمت مكة وقريش في قحط .... فقالت قريش: يا أبا طالب أقحط الوادي وأجدب العيال، فهلم فاستسق، فخرج أبو طالب ومعه غلام ـ يعني : النبي «صلى الله عليه وآله» كأنّه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء، وحوله اغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ باصبعه الغلام وما في السماء قزعه، فأقبل السحاب من هاهنا و من هاهنا واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب في قصيدة يمدح بها النبي (صلى الله عليه وآله) :
وابيض يستقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمةللاَرامل

وقد كان استسقاء أبي طالب بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهو غلام، بل استسقاء عبد المطلب به وهو صبي أمراً معروفاً بين العرب، وكان شعر أبي طالب في هذه الواقعة مما يحفظه أكثر الناس .
ويظهر من الروايات أنّ استسقاء أبي طالب بالنبي (صلى الله عليه وآله) كان موضع رضا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فانّه بعد ما بعث للرسالة استسقى للناس، فجاء المطر واخصب الوادي فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : « لو كان أبو طالب حيّاً لقرّت عيناه، من ينشدنا قوله ؟ ».
فقام علي (عليه السلام) وقال : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كأنّك أردت قوله :
وابيض يستقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للاَرامل

إنّ التوسل بالاَطفال الاَبرياء في الاستسقاء أمر ندب إليه الشرع الشريف، فهذا هو الاِمام الشافعي يقول : أن يخرج الصبيان، ويتنظفوا للاستسقاء وكبار النساء ومن لا هيئة له منهنّ، ولا أحب خروج ذوات الهيئة ولا آمر بإخراج البهائم .

وما الهدف من إخراج الصبيان والنساء الطاعنات في السن، إلاّ استنزال الرحمة بهم وبقداستهم وطهارتهم، وكلّ ذلك يعرب عن أنّ التوسل بالاَبرياء والصلحاء والمعصومين مفتاح استنزال الرحمة وكأنّ المتوسل بهم يقول : ربّي و سيدي انّ الصغير معصوم من الذنب، و الكبير الطاعن في السن أسيرك في أرضك، وكلتا الطائفتين أحقّ بالرحمة والمرحمة، فلاَجلهم أنزل رحمتك إلينا، حتى تعمنا في ظلهم .
فانّ الساقي ربما يسقي مساحة كبيرة لاَجل شجرة واحدة وفي ظلها تسقى الاَعشاب غير المفيدة .

الجزء الرابع