Get Mystery Box with random crypto!

لقد لاحظ إمامٌ كبير عاش في القرن الثالث الهجري، وهو الإمام ابن | السبيل

لقد لاحظ إمامٌ كبير عاش في القرن الثالث الهجري، وهو الإمام ابن قتيبة الدينوري (213-276 هـ) رحمه الله أنّ هناك انحرافًا حادثًا في عصره عن القضايا الإيمانية الجديرة بالاشتغال، فبدلا من الاشتغال بالمسائل المرتبطة بالعبادة التي تؤثّر في مصير الإنسان في الآخرة، انشغل المتكلّمون من مختلف الفرق والتوجّهات بمسائل نظرية حادثة. يقول رحمه الله في كتابه الاختلاف في اللفظ والردّ على الجَهمية والمُشَبِّهة: "وكان المتناظرون فيما مضى يتناظرون في معادلة الصبر بالشكر، وفي تفضيل أحدهما على الآخر، وفي الوساوس والخطرات، وفي مجاهدة النفس وقمع الهوى، فقد صار المتناظرون يتناظرون في الاستطاعة والتولّد والطفرة والجزء والعرَض والجوهر، فهم دائبون يخبطون في العشوات، قد تشعّبت بهم الطرق وقادهم الهوى بزمام الردى".

فانظر إلى عظيم قدْر هذه الملاحظة الذكية من هذا الإمام اللبيب، فالصبر والشكر على سبيل المثال من أسس الدين كما هي في كتاب الله، وفيها مدارج للسالكين ومراقٍ للموحّدين، وفيها يظهر التوحيد في أعمال القلوب والجوارح، أما المسائل التي كان المتكلّمون يخوضون فيها فهي مسائل نظرية مخترَعة، لم تُبيَّن في كتاب الله تعالى وسنّة رسوله ﷺ، ولا يُبنى عليها عمل، ولا تَعلُّق لها بالآخرة، ومِثْلها في ذلك مسائل الحوادث والتسلسل وهل الصفات عين الذات أم زائدة عليها وهل لله حدّ أو جهة وما شابه من المسائل التي لا نفع لها في آخرة أو دنيا.

من كتاب "العقائدية القاصرة - من هامش الجدل العقائدي إلى متن الاتفاق الإيماني" من تأليف الأستاذ شريف محمد جابر
رابط تحميل الكتاب: https://bit.ly/AQaDya