2021-09-14 15:47:40
هدايات قرآنية
البقاء للأصلح
قال تعالى: ﴿... فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفاءً وَأَمّا ما يَنفَعُ النّاسَ فَيَمكُثُ فِي الأَرضِ كَذلِكَ يَضرِبُ اللَّهُ الأَمثالَ﴾ [الرعد: ١٧].
وقال تعالى: ﴿وَلَقَد كَتَبنا فِي الزَّبورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أَنَّ الأَرضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥].
وفيها من العلم:
والمَعْنى: أنَّ الزَّبَدَ قَدْ يَعْلُو عَلى وجْهِ الماءِ ويَرْبُو ويَنْتَفِخُ إلّا أنَّهُ بِالآخِرَةِ يَضْمَحِلُّ ويَبْقى الجَوْهَرُ الصّافِي مِنَ الماءِ، وهكذا فإنّ الباطل على اختلافه يكون له لجج وصوت، يزول مع زوال أسبابه، ولا يبقى له أثر ، وضده الدين الحق من الكتاب والسنّة وأهلُه المتمسكين به، قال تعالى: ﴿لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبطِلَ الباطِلَ وَلَو كَرِهَ المُجرِمونَ﴾ [الأنفال: ٨].
فالتوحيد أصل الدين وأساس الملة، والموحدون هم المعتصمون بحبل الله جميعاً، ويقابلهم أهل الفرقة كما قال تعالى؛ ﴿إِنَّ الَّذينَ فَرَّقوا دينَهُم وَكانوا شِيَعًا لَستَ مِنهُم في شَيءٍ إِنَّما أَمرُهُم إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِما كانوا يَفعَلونَ﴾ [الأنعام: ١٥٩].
وقال تعالى: ﴿وَلا تَكونوا كَالَّذينَ تَفَرَّقوا وَاختَلَفوا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ البَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُم عَذابٌ عَظيمٌ﴾ [آل عمران: ١٠٥].
وقالﷺ: ((لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ)) متفق عليه.
وبينﷻ أنّ الظهور هو ظهور الدين؛ فقال: ﴿ هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٥].
فجعل أعظم أسباب ظهورهم عقيدة التوحيد، وضدهم الشرك، و قال تعالى؛ ﴿.. وَجاعِلُ الَّذينَ اتَّبَعوكَ فَوقَ الَّذينَ كَفَروا إِلى يَومِ القِيامَةِ ...﴾ [آل عمران: ٥٥]. فهو ظهور العلم والحجة كما قال تعالى عن أبينا إبراهيم: ﴿وَتِلكَ حُجَّتُنا آتَيناها إِبراهيمَ عَلى قَومِهِ نَرفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكيمٌ عَليمٌ﴾ [الأنعام: ٨٣].
فالصراع بين الخلق هو صراع على العقيدة، مهما تعددت المسميات وتنوعت الشعارات، قال تعالى عن المشركين: ﴿وَانطَلَقَ المَلَأُ مِنهُم أَنِ امشوا وَاصبِروا عَلى آلِهَتِكُم إِنَّ هذا لَشَيءٌ يُرادُ﴾ [ص: ٦].
ومادون ذلك من صراعات ونزاعات فهو داخل في قوله تعالى: ﴿كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنذِرينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكِتابَ بِالحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ النّاسِ فيمَا اختَلَفوا فيهِ وَمَا اختَلَفَ فيهِ إِلَّا الَّذينَ أوتوهُ مِن بَعدِ ما جاءَتهُمُ البَيِّناتُ بَغيًا بَينَهُم فَهَدَى اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا لِمَا اختَلَفوا فيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذنِهِ وَاللَّهُ يَهدي مَن يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾ [البقرة: ٢١٣].
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أُبَيٍّ أنَّهُ كانَ يَقْرَؤُها {كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فاخْتَلَفُوا فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ}، وأنَّ اللَّهَ إنَّما بَعَثَ الرُّسُلَ وأنْزَلَ الكُتُبَ بَعْدَ الِاخْتِلافِ ﴿وما اخْتَلَفَ فِيهِ إلا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ يَعْنِي بَنِي إسْرائِيلَ أُوتُوا الكِتابَ والعِلْمَ ﴿بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ يَقُولُ: بَغْيًا عَلى الدُّنْيا وطَلَبَ مُلْكِها وزُخْرُفِها أيُّهم يَكُونُ لَهُ المُلْكَ والمَهابَةُ في النّاسِ فَبَغى بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ فَضَرَبَ بَعْضُهم رِقابَ بَعْضٍ ﴿فَهَدى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يَقُولُ: فَهَداهُمُ اللَّهُ عِنْدَ الِاخْتِلافِ أنَّهم أقامُوا عَلى ما جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ قَبْلَ الِاخْتِلافِ أقامُوا عَلى الإخْلاصِ لِلَّهِ وحْدَهُ وعِبادَتِهِ لا شَرِيكَ لَهُ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ".
فكل عمل لا يقوم على التوحيد والسنّة مهما عظُم عند الخلق فهو كما قال تعالى: ﴿قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالًا * الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا﴾ [الكهف: ١٠٣-١٠٤].
وكما قالﷺ في الخوارج: ((يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ -وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا- قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، فَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، أَوْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ)) متفق عليه.
فحكمة الله قضت أنّ البقاء للأصلح مهما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال قال تعالى: ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذينَ كَفَروا فِي البِلادِ﴾ [آل عمران: ١٩٦].
والله أعلم.
حرر في: 07 ـ 02 ـ1443هـ.
قناة الشيخ على تيليغرام:
https://t.me/alobilan
127 views12:47