2022-05-07 13:53:32
شوقي بزيع
•
تفاحة الغياب:
تأتي على عجلٍ،
كما لو أن سهما في الرياح
يقود خطوتها من الماضي إلى أبديّة الأنثى،
كما لو أنّ نصف جمالها
يمحوه نصف جمالها الثاني،
وتعوي خلف ساعدها المشرّد
أذرعٌ غرقى
وريحٌ من ذئابْ
تأتي من الشفق المضمّد بالحنين الصرف،
من شهدِ القرى الصافي
ومن ماء السطوحِ،
وحيدةً كحمامةٍ تبيَضُّ فوق بحيرة النسيان
دون سفينةٍ،
وبعيدةٌ
حتى يكاد الثلج يهطل فوق سرّتها
وتنأى تحت كوكبها المضيء
لكي تعرّي جسمها من آخر الشهوات
والقُبل اليتيمة والثيابْ
لكأنّها روحانِ في ريحٍ،
أو امرأتان لامرئيّتان تمّزقان القلب،
ثمّ تغيبُ خلف غمامةٍ سوداءَ،
تاركةً ضفائرها لريحٍ لا مهبّ لها
وذابحةً بنصل بياضها الثلجيّ
أمثر من غرابْ
هي نفسها
أنثى البدايات التي لا تنتهي،
الأنثى الشبيهة،
والوليدة من تخثُّرِ مريمٍ
تبكي
على خشب العذابْ
ورأيتني أعدو
وراء حفيفها النائي وضحكتها السرابْ
عشرون سنبلةً تذبُّ الآن عن هذا العناق المرِّ
حاصدةً بمنجلها الوحيد
هواءنا المذروفَ تحت الدمع،
في أيِّ الجذور ينام قلبي الآن؟
في أيِّ النساء تخوضُ روحي موتها التالي؟
ومن سيطوف بي هذي العشيةَ
حول ثلج المرأة الأعمى
لأشهده على يأسي؟
أنا الموج الغريب وساحلي فوضاي
مسّيني لأبرأ من ذنوبي كلّها
وتغمّدي مائي
بما أوتيتِ
من قصب الغيابْ
يا حبُّ
يا سيف انكساراتي الأخير،
وصوتيَ المكسوّ بالأجراس والغرقى
أما آن الأوان
لكي ينام الطفل فوق خريفه المصفرّ،
كم ستمرّ هذي الروح فوق النار
كيما تستعيد بهاءها المفقود؟
كم نهراً سأذرف قبل أن يصل الحريقُ
إلى نهايته السعيدة؟
آه من جسدي القليل وكثرةِ امرأةٍ،
تصبُّ عليّ وردة روحها فتفيض عنّي
كي توزّع ما تبقّى من أنوثتها على التفّاح،
قاطعةً دمي بمقصّ رغبتها،
ودافعةً كآبتها إلى الأعلى
لتسقط مثل عاصمةٍ على جسدي الخرابْ
ظمآن،
أعصر ما تبقّى من أناملها على صدري
وأقطفُ عشب نهديها عن الجدران
كي أبقى على قيد العناق
دقيقةً أخرى..
ظمآنُ يا ألله!
بي عطش المياه إلى مجاريها،
وبي جوع الغريق
إلى تفتّحِ وردة في البحر،
أبحث عن جبين في الظلام يمسّني بصراخه المبحوح
عن خصرٍ أهش لهاثَه بعصا انكساراتي
وأكسو بالدموع نحيبه العاري
ليطبقني على ورد الحبيبة كالكتابْ
الليلةَ الطينُ الذي أوقدتُ
يبلغ شهره الثاني
ويستدعي بلابله الأخيرة من أقاصي الغيم
كي تنحلَّ في الزغب المريض لصدرها المنهوب
الليلةَ الشهقاتُ سوف تحيد عن أعضائها
وتميل نحو يديّ
كي تبني ممرّاً آخراً للشكّ..
مسبوقا بقامتها الطويلة
أستحثُّ خيولي التعبى لأبلغ قمحها العالي
وأرفع رايتي للموت: لا تعبرْ
وأضبط عقرب الفوضى الوحيدِ
على انتظام شهيقها المدفوع نحو فؤوسه القصوى
لو الأيام ترجع لي
لأخمد ذلك البركانَ
وهو يدقُّ في ريعان غضبته على صدري
ويخترق الحجابْ
مَنْ ضدُّ مَنْ في هذه الشمس الشديدة،
أيُّ ريحٍ لا تصبُّ الآن حامضها على الأبواب؟
شِبهُ سحابةٍ تحتلُّ سقفَ البيت،
ناصبةً على طرف الوسادة قوسها القزحيّ،
عاصفةً تميل على شبيهتها
بسيفٍ من ترابْ
ونغيب في معراجنا الزمنيّ،
لا أرضٌ لهذي الأرض،
لا جرحٌ يمهّد للذي سيليه،
محضُ تهدُّجٍ لِدَمينِ مشتبكين في مصتٍ،
تحطُّمُ وردتين على سريرٍ واحدٍ
وتفتُّحُ امرأةٍ لنهر حفيفها الليليّ،
ثَمَّ دمٌ يموّج في دمي واديه
ثمّ يغور في الساقينْ،
ثَمَّ سحابةٌ خضراءُ
أو زرقاءُ
أو بيضاءُ، تقتحم السرير عليّ،
برقٌ ذابلٌ
يهوي من الأعلى
ليشطرني إلى نصفين،
ثمة لا نهاياتٌ يزوّجها الغياب إلى الغيابْ
جسدان متّحدان في موتٍ
ومغسولان بالنعناعِ،
لا يتسلّقان سوى ارتفاعاتٍ
مُهَدَّدَةٍ بصاعقة الفراق،
ولا يضيئهما
سوى نجم الملامسة الذي يعلو
على قمم الحِرب
أحدٌ يعيدُ الأرضَ نحو مدارها العاديّ
أو يلقي حصىً في الماء كي نصحو،
ونسقط دونما عسلٍ من الفردوس،
مطعونين بالظلمات إيّاها
وبالشجر الذي ينهار،
كم سنةً مضت؟
كم مرَّ من جسدي على الدنيا؟
ولا أجد الجواب.
282 viewsمُنْتَصِر الطَّاهِر., 10:53