2021-08-21 06:28:21
القسم -
وفي الحقيقة نحن لا نستبعد أن يكون الشيخ ابن ياسين قد اتفق مع جوهر الجدالي –زعيم جدالة بعد يحيى- على التنازل عن الرئاسة ليحيى بن عمر اللمتوني؛ لِمَا في تولِّيه الرئاسة على قوم غالبيتهم من جدالة[18] من معانٍ تربوية تقاوم ترسبات العصبيات القديمة، كذلك لما في هذا من مصلحة الدعوة وجذب اللمتونيين، فلقد كان يحيى وأبو بكر من زعماء لمتونة، لكنهما تركا هذه الزعامة لِما آمنا به من دعوة الشيخ عبد الله بن ياسين. ولقد كان لا بُدَّ من عرض الأمر أولاً على جدالي فيتركها لئلاَّ يظن الجداليين ظنًّا سيئًا بالطريقة التي جعلت لمتونيًّا زعيمًا عليهم؛ إن آثار التعصب القبلي والعائلي لا تزول في سنوات قليلة، وكان لا بُدَّ من مراعاتها في مثل هذه القرارات الفارقة، ولقد شهد التاريخ أن الشيخ ابن ياسين قد نجح بالفعل في هذا القرار الفارق، وصار يحيى بن عمر اللمتوني زعيمًا للمرابطين.
كان هذا في سنة (445هـ=1053م)، وبالفعل وبتأثير من هذا القرار وكذلك بازدياد نطاق الجهاد المرابطي، الذي تساقطت أمامه الإمارات والقبائل الصغيرة والمتناثرة، اتسعت دولة المرابطين ودخل في سلطانها الآلاف من الناس.
وفي مثال لحُسن الختام وبعد قليل من دخول قبيلة لَمْتُونة في جماعة المرابطين يستشهد زعيمهم الشيخ يحيى بن عمر اللمتوني في إحدى غزواتهم سنة (447هـ=1055م)، ثم يتولَّى من بعده أخوه الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني.
أبو بكر بن عمر اللمتوني
وقد دخل الشيخ أبو بكر بن عمر اللمتوني بحماسة شديدة مع الشيخ عبد الله بن ياسين، وبدأ أمرهم يقوى وأعدادهم تزداد، وبدأ المرابطون يصلون إلى أماكن أوسع حول المنطقة التي كانوا فيها في شمال السنغال، فبدءوا يتوسعون حتى وصلت حدودهم من شمال السنغال إلى جنوب موريتانيا، وأدخلوا معهم جُدَالة، فأصبحت جُدَالة ولَمْتُونة وهما القبيلتان الموجودتان في شمال السنغال وجنوب موريتانيا جماعة واحدةً تمثِّل جماعة المرابطين.
ثم تنتهي قصة المؤسس الكبير والاسم الخالد الشيخ عبد الله بن ياسين باستشهاده في حرب برغواطة التي كانت –كما يقول المؤرخون- على غير ملة الإسلام، في سنة (451هـ=1059م) بعد أن أمضى أحد عشر عامًا من تربية الرجال على الجهاد.
يتبع ان شاء الله
__
د.راغب السرجاني
[1] انظر: ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص123، والسلاوي: الاستقصا، 2/7.
[2] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 31/80.
[3] القاضي عياض: ترتيب المدارك، 2/64.
[4] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/302.
[5] المقصود هنا فرع من نهر النيجر، ولا علاقة له بالنيل الذي في مصر والسودان، وقد كان يُعرف هذا النهر في ذلك الوقت باسم النيل.
[6] الضحضاح: الماء القليل وقريب القعر يكون في الغدير وغيره. انظر: الجوهري: الصحاح، باب الحاء فصل الضاد 1/385، وابن منظور: لسان العرب، مادة ضحح 2/524، والمعجم الوسيط 1/534.
[7] الغَمْر: الماء الكثير الذي يعلو ويغطي الأماكن. انظر: الجوهري: الصحاح، باب الراء فصل الغين 2/772، وابن منظور: لسان العرب، مادة غمر 5/29، والمعجم الوسيط 2/661.
[8] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/183
[9] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص125، وابن الخطيب: أعمال الأعلام، القسم الثالث، ص227، والسلاوي: الاستقصا، 2/8.
[10] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 6/183.
[11] ابن أبي زرع: روض القرطاس، ص125، وما بعدها، والسلاوي: الاستقصا 2/8.
[12] انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة ربط 7/302.
[13] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل رباط يوم في سبيل الله 2735، والترمذي 1664، وأحمد 22923، والبيهقي 17665.
[14] ابن خلكان: وفيات الأعيان، 7/129.
[15] ابن الأثير: الكامل، 8/331، والبيتان نُسِبَا لأبي محمد بن حامد الكاتب، انظر: السلاوي: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 2/4.
[16] محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس 3/302، 303.
[17] ابن الأثير: الكامل 8/328.
[18] سبق أن ذكرنا أن لمتونة وجدالة كانتا القبيلتين القويتين والكبريين في هذه المنطقة من المغرب الأقصى، ويمكن تقريب الصورة لدى القارئ باستحضاره ما كان بين الأوس والخزرج قبل الإسلام.
| https://t.me/Saleh_Stories2020
522 views03:28