2022-06-12 23:11:50
وقفة عند معنى قولِهِ:
﴿ثمّ أورَثنا الكتابَ الّذينَ اصطفينا مِن عبادِنا..﴾ في حديثِ إِمامِنا الرضا:
نقرأ في سورةِ فاطر:
{ثمّ أورثْنا الكتابَ الّذينَ اصطفينا مِن عبادِنا فمِنهم ظالمٌ لنفسِهِ ومِنهم مُقتصدٌ ومِنهم سابقٌ بالخيراتِ بإذنِ الله ذلك هو الفضلُ الكبير}هذه الآيةُ تُثيرُ تساؤلاً في الأذهان!
فالآية تتحدّثُ عن وراثةِ الكتاب.. ولكنّها في نفس السياق تذكرُ ثلاثةَ أصنافٍ مِن العباد (الظالم لنفسه، والمُقتصد، والسابق بالخيرات)
فهل وراثةُ الكتابِ حصلت لكلّ هذه الأصناف؟
إمامُنا الرضا يُجيبُنا عن هذا التساؤل..
فحين سأل المأمون علماءَ الأديانِ في مجلسِهِ عن معنى هذه الآية:
{ثمّ أورثْنا الكتابَ الذين اصطفينا مِن عبادنا}؟قالوا: أراد اللهُ الأُمّةَ كُلّها،
فقال المأمون لإمامِنا الرضا: ما تقول يا أبا الحسن؟
فقال الإمام: لا أقولُ كما قالوا ولكن أقول: أراد اللهُ تبارك وتعالى بذلك العترةَ الطاهرة.
فقال المأمون: وكيف عنى العترةَ دون الأُمّة؟
فقال الإمام: لو أراد الأُمّةَ لكانت بأجمعِها في الجنّة لقول الله:
{فمِنهم ظالمٌ لنفسِهِ ومِنهم مقتصدٌ ومِنهم سابقٌ بالخيراتِ بإذنِ اللهِ ذلك هو الفضل الكبير}ثمّ جعَلَهم كلّهم في الجنّةِ فقال عزّ وجلّ:
{جناتِ عدنٍ يدخلونها}فصارت الوراثةُ للعترةِ الطاهرةِ لا لغيرهم)
• ثمّ بيّن الإمام مَن هم العترة، فقال:
(هم الذين وصَفَهم اللهُ في كتابه فقال:
{إنّما يُريدُ اللهُ ليذهبَ عنكم الرجسَ أهلَ البيتِ ويُطهّرَكم تطهيرا}وهم الذين قال رسولُ الله: "إنّي مُخلّفٌ فيكم الثقلين كتابَ اللهِ وعترتي أهلَ بيتي، لن يفترقا حتّى يرِدا عليّ الحوض، انظروا كيف تُخلّفوني فيهما، يا أيّها الناس لا تُعلّموهم فإنّهم أعلمُ منكم"
قالت العلماء:
أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة؛ هم الآلُ أو غيرُ الآل؟
فقال الإمام: هم الآل.
فقالت العلماء: فهذا رسولُ اللهِ يُؤثَر عنه أنّه قال: "أُمّتي آلي" وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المُستفيض الذي لا يُمكن دفعه: "آلُ محمّدٍ أُمّته"
فقال الإمام:
أخبروني، هل تحرُمُ الصدقةُ على آلِ محمّد؟ قالوا: نعم.
فقال الإمام: فتحرُمُ على الأُمّة؟ قالوا: لا. فقال الإمام: هذا فرقٌ بين الآلِ وبين الأُمّة.
ويحكم، أين يُذهبُ بكم؟ أصرفتم عن الذِكرِ صفحاً أم أنتم قومٌ مسرفون؟!
أما علمتم أنّما وقعتْ الروايةُ في الظاهرِ على المُصطفين المُهتدين دونَ سائرِهم؟!
قالوا: مِن أين قلت يا أبا الحسن؟
قال: مِن قول الله: "لقد أرسلنا نوحاً وإبراهيمَ وجعلنا في ذرّيتِهما النبوّةَ والكتابَ فمِنهم مُهتدٍ وكثيرٌ منهم فاسقون" فصارت وراثةُ النبوّةِ والكتابِ في المُهتدينَ دونَ الفاسقين،
أما علمتم أنّ نوحاً سأل ربّه فقال:
{ربِّ إنّ ابني مِن أهلي وإنّ وعدك الحقُّ} وذلك أنّ اللهَ وعدَهُ أن يُنجيه وأهلَه، فقال له ربّهُ تبارك وتعالى:
{إنّه ليس مِن أهلك إنّه عملٌ غيرُ صالح..})
[تُحف العقول]
[توضيحات]✦ قولِهِ تعالى:
{ثمّ أورثنا الكتابَ الّذينَ اصطفينا مِن عبادِنا}يُشيرُ إلى أنّ الاصطفاءَ ليس لكلّ العباد، وإنّما لمجموعةٍ مِنهم.. لأنّ
(مِن) تُشيرُ إلى التبعيض،
يعني أورثنا الكتابَ للبعضِ مِن عبادِنا الذين اصطفيناهم وليس للجميع
✦ قولِهِ:
{فمِنهم ظالمٌ لنفسِهِ ومِنهم مُقتصدٌ ومِنهُم سابقٌ بالخيرات} هنا ذِكرٌ لأصنافِ العباد.. يعني أنّ العبادَ مِنهم ظالمٌ لنفسِه، ومنهم مُقتصد، ومنهم سابقٌ بالخيرات،
فالعبادُ على أصناف.. وليس هؤلاء جميعاً يدخلون الجنّة، كما يقولُ إمامُنا الباقر حين سُئل عن معنى هذه الآية، قال:
(الظالمُ لنفسِهِ: مَن لا يعرفُ حقَّ الإمام، والمُقتصد: العارفُ بحقّ الإمام، والسابقُ بالخيراتِ بإذنِ اللهِ: هو الإمام، وقولِهِ: {جنّاتُ عدنٍ يدخلونها} يعني السابقُ والمُقتصد)[معاني الأخبار]
فالإمامُ بيّن هنا المقصودَ مِن هذه الأصنافِ ولم يذكر صِنفَ الظالمِ لنفِسِه في معنى قولِهِ:
{جنّاتُ عدنٍ يدخلونها}وهذا يُؤكّدُ كلامَ إمامِنا الرضا بأنّ وراثةَ الكتابِ ليست لجميعِ الأُمّة.. وإلّا لكانوا جميعاً يدخلونَ الجنّة.
فوراثةُ الكتابِ هي فقط للعبادِ الذين اصطفاهم اللهُ وهم السابقونَ بالخيرات، يعني الأئمة صلواتُ اللهِ عليهم، كما يقولُ إمامُنا الكاظم في قوله:
{ثمّ أورثنا الكتابَ الّذين اصطفينا من عبادنا} قال: فنحنُ الّذين اصطفانا اللهُ عزّ وجلّ ثمّ أورثَنا هذا الّذي فيه تبيانُ كلّ شيء)[الكافي: ج1]
فالسابقُ بالخيراتِ مِن العباد هم العبادُ المُصطفونَ الذين ورثوا الكتاب، ولهذا قالت الآيةُ بعد ذِكرِ هذا الصنف:
{ذلك هو الفضلُ الكبير}فهذه الآيةُ تتحدّثُ عن محمّدٍ وآلِ محمّدٍ وتصِفُهم بأنّهم سابقونَ بالخيرات،
أمّا الّذين التحقوا بأهلِ البيتِ وأسرعوا فهم المُقتصدون،
وجاء التعبيرُ عنهم بـ(المُقتصدون) لأنّ سُرعتَهم بحدودِهم.. فالمُقتصَدُ هو الّذي يقصدُ القَصدَ الصحيحَ ولكن بحدودهِ
قناة #الثقافة_الزهرائية على التلغرام
t.me/zahraa_culture
449 viewsedited 20:11