2021-09-26 21:30:53
محمد حسين الشاويش:
بسم الله الرحمن الرحيم
سنة صلاة الجمعة القبلية([1])
سماحة المفتي العام الدكتور نوح علي سلمان
من المعلوم أن صلاة الجمعة تحل محل صلاة الظهر - يوم الجمعة - في حق من وجبت عليه الجمعة، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة كما تقدم.
ومن المعلوم أيضاً أن صلاة الظهر تتبعها سنة قبلية وسنة بعدية.
فهل لصلاة الجمعة سنة قبلية وسنة بعدية؟ هذا ما نبحثه في هذا الموطن فنقول:
أولا: السنة البعدية:
اتفقت المذاهب الأربعة على أن للجمعة سنة بعدية([2])، وحجتهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات)([3])
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته)([4])
ثانيا: السنة القبلية:
وأما قبل الجمعة:
فقد قال الحنفية([5]) والشافعية([6]) أن سنة الجمعة القبلية كسنة الظهر القبلية، وقتاً وعدداً.
وقال المالكية: يكره لشخص يُقتدى به - كعالم - التنفل عند الأذان الأول، لا قبله، لجالس في المسجد، لا داخل؛ خوف اعتقاد العامة وجوبه، أما عند الأذان الثاني فحرام، لكن هذا أيضاً في حق من يقتدى به([7]) من العلماء وولاة الأمور.
وقال الحنابلة([8]): ليس للجمعة سنة راتبة قبلها، بل يستحب أربع ركعات على وجه النفل المطلق.
وقد احتج القائلون بسنة الجمعة القبلية بما يلي:
1- عن ابن مسعود رضي الله عنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها([9]): والظاهر أن هذا توقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس اجتهاداً من ابن مسعود رضي الله عنه.
2- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة، قالها ثلاثاً، وقال في الثالثة لمن شاء)([10])
3- عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما مرفوعاً: (ما من صلاة مفروضة إلا بين يديها ركعتان)([11]) وهذا بعمومه يشمل صلاة الجمعة.
قال ابن حجر رحمه الله: "وأقوى ما يتمسك به من مشروعية ركعتين قبل الجمعة عموم ما صححه ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير مرفوعاً: (ما من صلاة مفروضة إلا بين يديها ركعتان) ([12])
4- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعاً لا يفصل في شيء منهما([13])، وهذا - وإن ضعفه العلماء - لكن يشهد له الأحاديث الصحيحة التي قبله.
5- وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك)([14])
6- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة فقال: أصليت يا فلان، قال: لا، قال: قم فاركع ركعتين)([15])
وجاء هذا الحديث مفسراً في رواية ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء سُليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصليت ركعتين قبل أن تجيء، قال لا، قال: فصلِّ ركعتين وتجوز فيهما)([16])
ووجه الدلالة في هذه الرواية أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قبل أن تجيء) يدل على أن الركعتين سنة الجمعة القبلية، وليستا سنة تحية المسجد.
7- إن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، فتكون سنتها كسنة الظهر، وهذا ما جعل البخاري رحمه الله يقول في صحيحه: "باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها" ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين)([17])، فالإمام البخاري رحمه الله يرى الجمعة كالظهر، مع أن ابن عمر رضي الله عنهما ذكر ركعتين بعد الجمعة، ولم يذكر شيئاً قبلها، فرأى الإمام البخاري أن ما قبل الجمعة هو ما ذكره ابن عمر قبل الظهر، فقال: "الصلاة بعد الجمعة وقبلها".
ومن دراسة هذه الأقوال وأدلتها يبدو تقاربها، فكل المذاهب تحث على صلاة النافلة قبل جلوس الإمام على المنبر ليخطب الجمعة، عملاً بحديث: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام: إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)([18])، وقد تقدم.
لكن هذه الصلاة النافلة التي قبل الجمعة هل هي نافلة مطلقة كما يرى المالكية والحنابلة، ولذا تكون قبل الأذان الثاني الذي بين يدي الخطيب، أم هي نافلة تابعة للجمعة تكون قبل الصلاة ولو كان الإمام على المنبر كما يرى الحنفية والشافعية؟
يقول ابن رجب رحمه الله: " بعد زوال الشمس وقبل خروج الإمام - يعني يوم الجمعة -: هذا الوقت يستحب الصلاة فيه بغير خلاف نعلمه بين العلماء سلفا وخلفا، ولم يقل أحد من المسلمين إنه يكره الصلاة يوم الجمعة، بل القول بذلك خرق لإجماع المسلمين - ثم ذكر آثارا كثيرة عن الصحابة في استحباب هذه الصلاة، ثم قال: - وقد اختلف في الصلاة قبل الجمعة: هل هي من السنن الرواتب كسنة الظهر قبلها، أم هي
180 views18:30