2022-01-28 16:55:30
[المقال (242)]
بسم الله الرحمن الرحيم
● الرحلة في طلب الأدب ●
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فقد جاء الحث والترغيب في الرحلة لتفقه في الدين.
قال الله تعالى: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122].
ومن التفقه في الدين تعلم الأدب والهدي والدل والسمت، فالأدب قرين العلم.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في ((غريب الحديث)) : ((هَدْيه ودلّه فَإِن أَحدهمَا قريب الْمَعْنى من الآخر وهما من السكينَة وَالْوَقار فِي الْهَيْئَة والمنظر وَالشَّمَائِل وَغير ذَلِك.
وقال رحمه الله: فالسمت يكون فِي مَعْنيين: أَحدهمَا حسن الْهَيْئَة والمنظر فِي مَذْهَب الدَّين وَلَيْسَ من الْجمال والزينة وَلَكِن يكون لَهُ هَيْئَة أهل الْخَيْر ومنظرهم وأما الوجه الآخر فَإِن السَّمت الطَّرِيق يُقَال: الزم هَذَا السَّمْتَ كِلَاهُمَا لَهُ معنى جيد يكون أَن يلْزم طَريقَة أهل الْإِسْلَام وَيكون أَن يكون لَهُ هَيْئَة أهل الْإِسْلَام)) اهـ.
لهذا كان عناية السلف الصالح بالرحلة في طلب الأدب وتعلم الهدي الطيب والسمت العالي، وما ذاك إلا لإدراكهم أهمية الأدب ، ومكانته من الدين والعلم .
وقد أولى السلف الكرام الأدب اهتمامًا عظيمًا حتى رحلوا في طلبه، وقد سطر لنا التاريخ على صفحاته بمداد من ذهب من سيرة سلفنا الصالح في تجشم الأسفار وقطع الليالي وقفار لنيل الآداب الحسنة والأخلاق الرفيعة، وفي هذه المقالة أذكر شيء من نفحات تلك الرحلات الزكية ما يشنف الآذان ويطرب لفرحها الجنان وتعلوا بها همة الطلاب في طلب الآداب.
كان أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يرحلون إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فينظرون إلى سمته وهديه ودلّه فيتشبّهون به.
ذكره أبو عبيدة القاسم بن سلام في ((غريب الحديث)).
وأن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها، وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده، وكان يلزمه الصلوات، فأبطأ يوما عن الصلاة، فقال: ما حبسك؟
قال: كانت مرجلتي تسكن شعري.
فقال: بلغ من تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة.
وكتب بذلك إلى والده، فبعث عبد العزيز رسولا إليه، فما كلمه حتى حلق شعره.
ذكره الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (5/ 116).
كان أبوه عبد العزيز بن مروان نائبًا لأخيه عبد الملك بن مروان على مُلك مصر ومن خيار الأمراء كَرَمًا وشجاعةً ودِينًا.
وقال الحسن البصري رحمه الله: (إن كان الرجل ليخرج في أدب نفسه السنتين ثم السنتين).
ذكره ابن جماعة في ((تذكرة السامع والمتكلم)) (ص: 31).
وقال مالك: (وبعث ابن سيرين رجلا فنظر كيف هدي القاسم وحاله).
أخرجه الخطيب البغدادي في ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)).
وقال ابن وهب: (وحدثني مالك أن محمد بن سيرين قد ثقل وتخلف عن الحج، فكان يأمر من يحج أن ينظر إلى هدي القاسم ولبوسه وناحيته فيبلغوه ذلك فيقتدي بالقاسم قال ابن وهب: وحدثني مالك أن عمر بن عبد العزيز قال: لو كان لي من الأمر شيء لوليت القاسم الخلافة).
أخرجه الفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)).
وقال ابن وهب: سمعت مالكا، يقول: إن حقا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية وأن يكون متبعا لأثر من مضى قبله.
أخرجه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) والبيهقي في ((المدخل إلى السنن الكبرى)) والخطيب البغدادي في ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)).
وكان مالك يعجبه سمت يحيى [بن يحيى الليثي] وعقله. روي عنه إنه كان عنده يوماً جالساً في جملة أصحاب مالك، إذ قال قائل: قد حضر الفيل.
فخرج أصحاب مالك كلهم لينظروا إليه. فقال له مالك لِمَ لم تخرج فتراه، إذ ليس بأرض الأندلس. فقال له يحيى: إنما جئت من بلدي، لأنظر إليك، وأتعلم من هديك وعلمك، لا إلى أن أنظر إلى الفيل. فأعجب به مالك وسماه العاقل.
ذكره القاضي عياض في ((ترتيب المدارك وتقريب المسالك)) (3/ 382-383).
وعن محمد بن عيسى قال: قدم ابن المبارك قدمة فقيل له: إلى أين تريد؟ قال: إلى البصرة. قيل له: من بقي؟ قال: ابن عون آخذ من أخلاقه، آخذ من آدابه.
ذكره ابن الجوزي في ((صفة الصفوة)) (2/ 184).
وقال ابن وهب: ما نقلنا من أدب مالك، أكثر مما تعلمنا من علمه.
ذكره الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (8/ 113).
85 views13:55