2022-06-24 23:19:01
وأمثال هذه الآيات مشكلة، لأن ظاهرها تجدد علم الله عزّ وجل بعد وقوع الفعل؟
والجواب عن هذا الإشكال من أحد وجهين:
الوجه الأول: إن علم الله عزّ وجل بعد وقوعه غير علمه به قبل وقوعه، لأن علمه به قبل وقوعه علم بأنه سيقع، وعلمه به بعد وقوعه علم بأنه واقع، نظير هذا من بعض الوجوه: الله عزّ وجل مريد لكل شيء حتى المستقبل الذي لانهاية له، مريد له لاشك، لكن الإرادة المقارنة تكون عند الفعل: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يّس: 82)
فهاهنا إرادتان: إرادة سابقة، وإرادة مقارنة للفعل، فإذا أراد الله تعالى أن يخلق شيئاً فإنه يريده عند خلقه، لكن كونه أراد أن يخلق في المستقبل فهذا غير الإرادة المقارنة، كذلك العلم.
الوجه الثاني: (حَتَّى نَعْلَمَ) (محمد: 31) أي علماً يترتب عليه الثواب والعقاب، لأن علم الله الأزلي السابق لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب، فالثواب والعقاب يكون بعد الامتحان والابتلاء، كما قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد: 31)
وحينئذ قد زال الإشكال ولله الحمد.
وقد قال غلاة القدرية: إن علم الله تعالى بأفعال العباد مستأنف حيث يقولون: الأمر أنف يعني مستأنف، فيقولون: إن الله لايعلم الشيء، إلا بعد وقوعه، فهؤلاء كفرة بلا شك لإنكارهم ما دلّ الكتاب والسنة عليه دلالة قطعية، وأجمع عليه المسلمون.
المرتبة الثانية: الكتابة وهي أنواع:
. 1الكتابة العامة في اللوح المحفوظ، كتب الله تعالى كل شيء.
. 2 الكتابة العُمريّة، وهي أن الجنين في بطن أمه إذا تم له أربعة أشهر بعث الله إليه الملك الموكل بالأرحام، وأمرَ أن يكتب: أجله ورزقه وعمله وشقي أو سعيد. فهذه كتابة عمرية لأنها مقيدة بالعمر، أي تكتب مرة واحدة، ولايعاد كتابتها.
. 3 الكتابة الحولية، وهي التي تكون ليلة القدر، كما قال الله عزّ وجل: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان: 4)
يعني يبيّن ويفصل (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وليس أمر من أمر الله إلا وهو حكيم.
وذكر بعضهم: كتابة يومية، واستدل لذلك بقوله عزّ وجل: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن: 29)
ولكن الآية ليست واضحة في هذا المعنى.
وهنا مسألة: هل الكتابة تتغير أو لاتتغير؟
الجواب: يقول رب العالمين عزّ وجل: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (الرعد: 39)
أي اللوح المحفوظ ليس فيه محو ولا كتاب، فما كتب في اللوح المحفوظ فهو كائن ولاتغيير فيه، لكن ما كتب في الصحف التي في أيدي الملائكة فهذا: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ) قال عزّ وجل: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) (هود: الآية114) .
وفي هذا المقام يُنكَرُ على من يقولون: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) فهذا دعاء بدعي باطل، فإذا قال: (اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه) معناه أنه مستغن، أي افعل ما شئت ولكن خفف وهذا غلط، فالإنسان يسأل الله عزّ وجل رفع البلاء نهائياً فيقول مثلاً: اللهم عافني، اللهم ارزقني وما أشبه ذلك.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهَمَّ اِغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ (1) فقولك: (لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللّطف فيه) أشد.
(1) - أخرجه البخاري - كتاب: التوحيد، باب: في المشيئة والإرادة، (7477) ، ومسلم - كتاب: الذكر والدعاء، باب: في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاهان (2697) ، (8) .
29 views20:19