2022-05-25 18:49:03
هدايات قرآنية
ماسر الفرق بين الشرك وسائر الذنوب
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ ما دونَ ذلِكَ لِمَن يَشاءُ وَمَن يُشرِك بِاللَّهِ فَقَدِ افتَرى إِثمًا عَظيمًا﴾ [النساء: ٤٨].
وفيها من العلم:
"روي أن النبيّﷺ تلا {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعًا} [الزمر: 53]؛ فقال له رجل: يا رسول الله والشرك! فنزل: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}. وهذا من المحكم المتفق عليه الذي لا اختلاف فيه بين الأُمة "ا.هـ، [من تفسير القرطبي].
فما السر في أن سبقَ الغضبُ الرحمةَ في هذا المقام، ولِمَا تلاشتِ الرحمة والرأْفة في حقِّ المشركين، ولِمَا لَم يُبَالِ الله بهم وهم في العذاب الشديد الأليم، وطول شَقاءٍ وعِظَم بلاء، أليسوا هم الضُّعفاء والْجُهَّال وأتْباع الأسياد، ومَن تربَّى على خُطا الآباء والأعراف والعادات؟
والسر في ذلك تشبيههم للمخلوق بالخالق سبحانه، قال تعالى: ﴿قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَم يَلِد وَلَم يولَد * وَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١-٤].
فالمشْرِك مُشَبِّه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهيَّة، ومعطل للفطرة والعقل والشرع!!
وإذا قلنا الشرع فهذا يعني أنّه مكذب لله متنقص لجلاله وكبريائه، قال تعالى في الفطرة: ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدّينِ حَنيفًا فِطرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النّاسَ عَلَيها لا تَبديلَ لِخَلقِ اللَّهِ ذلِكَ الدّينُ القَيِّمُ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ * مُنيبينَ إِلَيهِ وَاتَّقوهُ وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكونوا مِنَ المُشرِكينَ﴾ [الروم: ٣٠-٣١].
وقال تعالى في العقل وقد خص به الإنسان عن سائر الحيوان: ﴿وَلَقَد أَضَلَّ مِنكُم جِبِلًّا كَثيرًا أَفَلَم تَكونوا تَعقِلونَ﴾ [يس: ٦٢].
وقال تعالى: ﴿أَم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهُم يَسمَعونَ أَو يَعقِلونَ إِن هُم إِلّا كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ سَبيلًا﴾ [الفرقان: ٤٤].
وقال تعالى في ماشرعه لعباده: ﴿وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ فَمِنهُم مَن هَدَى اللَّهُ وَمِنهُم مَن حَقَّت عَلَيهِ الضَّلالَةُ فَسيروا فِي الأَرضِ فَانظُروا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبينَ﴾ [النحل: ٣٦].
وأمّا ما دون الشرك من الذنوب فمتعلق بانحراف الغريزة إمّا إلى القوة الغضبية، أوالقوة الشهوانية، قالﷺ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ،
فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ)) رواه مسلم.
فقد خلق الله للملائكة عقولاً بلا شهوة، وخلق للبهائم شهوةً بلا عقل، وخلق للإنسان عقلاً وشهوة.
والمقصود أنّ الشرك أعظم الظلم لأنّه تَسْوِيَةُ المَمْلُوكِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مِن ذاتِهِ إلّا العَدَمُ، بِالمالِكِ الَّذِي أوجده من العدم، فَلا خَيْرَ ولا نِعْمَةَ إلّا مِنهُ، قال تعالى: ﴿وَإِذ قالَ لُقمانُ لِابنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظيمٌ﴾ [لقمان: ١٣].
ولذلك فإنّ عامة التسبيح في القرآن يأتي بعد ذكر الشرك تنزيهاً لله، ومنها قوله تعالى:﴿وَيَعبُدونَ مِن دونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَيَقولونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِندَ اللَّهِ قُل أَتُنَبِّئونَ اللَّهَ بِما لا يَعلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الأَرضِ سُبحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشرِكونَ﴾ [يونس: ١٨].
وقال تعالى: ﴿قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبحانَهُ هُوَ الغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ إِن عِندَكُم مِن سُلطانٍ بِهذا أَتَقولونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ﴾ [يونس: ٦٨].
وقال تعالى: ﴿لَو كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبحانَ اللَّهِ رَبِّ العَرشِ عَمّا يَصِفونَ﴾ [الأنبياء: ٢٢].
والله أعلم.
حرر في: 24 ـ 10 ـ1443هـ.
قناة الشيخ على تيليغرام:
https://t.me/alobilan
195 views15:49