2022-11-14 23:03:50
بابُ
سُجُودِ السَّهْوسجود السهو: سَجْدتانِ تُفْعلانِ قبلَ السّلامِ لجَبْرِ الخلَلِ الواقعِ في الصلاة.
وهو سُنةٌ مؤكَّدةٌ في غيرِ صلاةِ الجنازة(1)، وليسَ بواجب؛ فمَن تركَه مَضَتْ صلاتُه على الصّحة، لكن يَفوتُه ثوابُه، إلا في حقِّ المأمومِ إن سَجَدَ إمامُه، فتلزمُه متابعتُه وإن جهلَ سَهوَه موافقاً أو مَسبوقاً، فإن تخلَّفَ عامداً عالِماً بقَصدِ عدمِ السُّجودِ بَطَلَتْ صلاتُه بمجرّدِ سجودِ الإمام(2).
أما صلاةُ الجنازة فلا يُشرَعُ فيها؛ لأنّ مَبْناها على التخفيف؛ فلو أتى به فيها عامداً عالماً بَطَلَتْ(3).
ويجبُ لسجود السَّهو نيةٌ على الإمام والمنفَرِد؛ لأن سببَه َمنهيٌ عنه فلا تَشملُه نيةُ الصلاة، بخلاف سجودِ التلاوة فلا يجبُ نيةٌ؛ لأنّ سببَه القراءة، وهي مطلوبةٌ في الصلاة فتَشملُه نيتُها كما اعتمده الشهابُ ابنُ حَجر، أما المأمومُ فلا تلزمُه نيةُ سجود السّهو؛ لأنّ أفعالَه تنصرفُ لمَحْضِ المتابعةِ بلا نية(4).
٢١١. سُنَّ السُجُودُ عِنْدَ فِعْلِ مَا نُهِي عَنْ فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ ذَكرَ هنا ضابطاً عامّاً لما يُسنُّ له سجودُ السَّهْو، وهو: ((إنه يُسنُّ عندَ فعل مَنهيٍّ عنه أو تَركِ مأمورٍ به))، ثمّ فصَّلَ ذلك فقال:
٢١٢. فَحَيْثُ كانَ الفِعْلُ عَمْداً يُبْطِلُ فَاْسْجُدْ لَهُ إنْ كانَ سَهْواً يَحْصُلُفِعْلُ ما يُبطِلُ عَمدُه الصلاةَ إذا وقَعَ نِسياناً، كزيادة رُكنٍ فعليٍّ كالركوع والسّجود، أو القيامِ لركعةٍ زائدة، أو التسليمِ في غيرِ محلِّه، أو تقديمِ رُكنٍ على رُكنٍ كأن سَجدَ قبلَ الركوع، وكالأكلِ والكلامِ القليلَين؛ فإنّ ذلك كلَّه لو فعلَه عَمداً لبطَلَت صلاتُه، ولو فعلَه ناسياً لا تلطُل، لكن يُسنُّ له سجودُ السّهو(5).
ومثلُ هذا ما لو نَقَلَ رُكناً قَوليّاً إلى غَيرِ محلِّه؛ كأن يَقرأَ الفاتحةَ ولو بعضَها في الركوع، أو يقرأَ التشهدَ ولو بعضَه في القيامِ أو الجلوسِ بينَ السجدتَين، سواءٌ أَنَقَلَه عَمداً أم سهواً(6).
أما السُّننُ القوليةُ فيَسجدُ لنَقلِ التّشهدِ الأولِ والقُنوتِ بنيِّته، وكذا لنَقلِ السُّورة، ولا يَسجدُ لغيرِ ذلك من سائرِ الهيئاتِ كتَسبيح الرّكوع والسُّجود(7).
ولو قرأَ السورةَ قبلَ الفاتحة أو صلّى على البيِّ ﷺ قبلَ التشهُّدِ لم يسجدْ؛ لأنّ ذلك محلُّه في الجملة(8).
٢١٣. والتَّرْكُ لِلمَأْمُورِ تَرْكُ فَرْضِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ هَيْئةٍ أو بَعْضِ تقدَّمَ أنّ مأموراتِ الصلاةِ ثلاثةُ أنواع: فَرضٌ وبَعْضٌ وهَيئة، وفي حُكم تركِها تفصيل:
٢١٤. فالفَرْضُ ليسَ بِالسُّجُودِ يَنْجَبِرْ بَلْ فِعْلُهُ مُحَتَّمٌ وإنْ ذُكِرْ
٢١٥. بَعْدَ السَّلَامِ والزَّمَانُ يَقْرُبُ على البِنَا ثُمَّ السُّجُودُ يُنْدَبُ
٢١٦. وإنْ يكنْ مِنْ بَعْدِ فِعْلِ مِثْلِهِ فَمِثْلُهُ يَكْفِي إذاً عَنْ فِعْلِهِ ولو تَركَ المصلِّي فَرضاً؛ أي: ركناً من أركان الصلاة، كأن تَركَ الرّكوعَ؛ لم يَنجَبرْ بسجودِ السهو، بل لا بدَّ من استدراكِه(9)، حتى لو تذكَّرَه بعدَ السلام والزّمنُ قصيرٌ أَتى به وبَنَى عليه ما بعدَه ويَسجدُ قبلَ سلامِه للسّهو، وضَبَطُوا قِصَرَ الزّمنِ بينَ السلام والتذكُّرِ بما لا يَسَعُ فعلَ ركعَتين بأَخَفِّ ممكِن.
مثاله: لو تذكَّرَ بعدَ السلام بزَمنٍ قَصيرٍ أنه لم يَركَعْ في ركعتِه الأخيرة؛ فإنه يَعودُ ويُتمُّ صلاتَه من اعتدالٍ وسُجودَين وتشهُّدٍ وَيسجدُ للسّهو ثمّ يُسلِّم.
ولو تركَ الركوعَ فتذكره أثناءَ السجودِ قامَ وركعَ ثم أعادَ السجود؛ لأن ما يُفعلُ منَ الأركان بعدَ الركن المتروكِ لغوٌ، ويَسجدُ قبلَ سلامِه للسّهو(10).
أما لو تركَه ولم يتذكَّرْه حتى أتى بمثلِ ما تركَه، كأن تركَ الركوعَ ولم يتذكَّره إلا في ركوعِ الركعة الثانية؛ فإن هذا الركوعَ يَقومُ مقامَ المتروكِ وما فُعِلَ بعدَ المتروكِ لَغوٌ كما تقدَّم، فهذه في الحقيقةِ هي ركعتُه الأُلى فيُتِمُّها ويسجدُ للسّهو.
٢١٧. والبَعْضُ حَيْثُ فَاتَ لَا يُسْتَدْرَكُ. بَلْ يَحْرُمُ اسْتِدْرَاكُهُ إِذْ يُتْرَكُ
٢١٨. إنْ كَانَ بَعْدَهُ بِفَرْضِ اشْتَغَلْ ويُنْدَبُ السُّجُودُ جَبْراً لِلْخَلَلْ إذا تركَ بَعضاً من أبعاض الصلاةِ لم يَجبْ عليه استدراكُه، بل يَحرمُ استدراكُه إذا تلبَّسَ بفَرضٍ بعدَه:
فلو قامَ تاركاً
التشهدَ الأولَ عامداً وصارَ إلى القيامِ أقربَ منه إلى القعود؛ لم يَجُزْ أن يَعودَ إليه، فإن عادَ بَطَلَت صلاتُه(11).
وإن تركَه
ناسياً فَتذكَّره قبلَ انتصابِه عادَ له ندباً، وإن تذكَّرَه بعدَ انتصابِه لم يَعُدْ إليه؛ لتلبَّسِه بالفرض، فإنْ عادَ حينئذٍ عامداً وهو عالِمٌ بتحريمِه بَطَلَتْ صلاتُه إن كان مُنفَرِداً أو إماماً، عادَ ناسياً أو جاهلًا بتحريمِه لم تبطل، لكنْ يَسجدُ للسهو.
295 views20:03