2023-01-02 11:27:20
قال الشيخ جابر جاد المصري
- تَعَقَّبَ الإمامُ ابنُ الجزريِّ- رحمه الله- الإمامَ الجعبريَّ في بابِ البسملةِ مِن "النشر"- عند ذِكْرهِ للوجهِ الممنوعِ مِن أوجهِ البسملةِ بينَ السورتينِ- مبيِّنًا أنَّ الجعبريَّ يَرَى أنَّ السكتَ هو المقصودُ مِن الوقفِ.
- وبَيَّنَ الإمامُ ابنُ الجزريِّ أنَّ الجعبريَّ وَهِمَ في ذلك، حيث لم يَسبقْهُ أحدٌ مِن أهل الأداء إلى هذا القول.
- وبالرجوعِ إلى كلامِ الجعبريِّ، وكلامِ العارفين به، ومطالعةِ اعتراضِ الإمامِ ابنِ الجزريِّ تبيَّن صحةُ قولِ الإمامِ الجعبريِّ، وعدمُ قصدِهِ لما فَهِمهُ الإمامُ ابنُ الجزريِّ.
- وفيما يلي بيانٌ لهذه المسألة:
- قال الإمامُ ابنُ الجزريِّ- رحمه الله- عند ذِكْرِه للوجهِ الممنوعِ مِن أوجهِ البسملة بَيْنَ السورتين: "...قال: صاحب "التيسير":
"والقطع عليها إذا وُصِلَتْ بأواخر السور غير جائز".
- تنبيهات:
- أولها: أن المراد بالقطع المذكور هو الوقف كما نصَّ عليه الشاطبيُّ وغيرُه مِن الأئمة، قال الدانيُّ في جامعه: "واختياري في مذهب مَن فصل أن يقف القارئ على آخر السورة ويقطع على ذلك، ثم يبتدئ بالتسمية موصولة بأول السورة الأخرى". انتهى، وذلك أوضح.
- وإنما نبهتُ عليه؛ لأنَّ الجعبريَّ - رحمه الله - ظن أنه السكت المعروف، فقال في قول الشاطبيِّ: "فلا تقفنَّ"، ولو قال: "فلا تسكتنَّ" لكان أَسَدّ".
- وذلك وَهْمٌ لم يتقدمه أحدٌ إليه، وكأنه أَخَذَهُ مِن كلامِ السخاويِّ حيث قال: "فإذا لم يصلها بآخرِ سورة جاز أن يَسْكُتَ عليها"، فلم يتأمله.
- ولو تأمَّلَهُ لعلم أنَّ مرادَهُ بالسكت الوقف، فإنه قال في أول الكلام: "اختار الأئمة لمَن يفصل بالتسمية أن يقف القارئ على أواخر السور، ثم يبتدئ بالتسمية"...". النشر ٢٦٧/١.
- الذي يَظهرُ أنَّه لا يُفْهَمُ مِن كلامِ الإمامَ الجعبريَّ- رحمه الله- أنَّ وجهَ الوقفِ على البسملةِ عند وصلها بآخر السورة السابقة- وهو الوجه الممنوع مِن أوجه البسملة بين السورتين- مقصودٌ به السكت على الحقيقة.
- وإنما لم يَظهرْ مقصدُه للإمام ابنِ الجزريِّ- رحمه الله- فظن أنه يُثبِتُ السكت لا الوقف.
- وعلى ما فهمه الإمامُ ابنُ الجزريِّ يكون الجعبريُّ قد:
- تفرد بذِكْرِ وجهٍ لم يَذْكُرْهُ أهلُ الأداء.
- وأغْفَلَ ذِكْرَ وجهٍ اتُّفِقَ على منعهِ وهو الوقفُ على البسملة، وفي ذلك ما فيه.
- والمتأملُ لهذه المسألة يُدْرِكُ صحةَ كلامِ الإمامِ الجعبريّ، ويتضح ذلك مِن خلال أربعة أمور:
- أولًا: كلامه في هذه المسألة في شرحه على الشاطبية.
- ثانيًا: كلامه في هذه المسألة في مواضع أخرى مِن كتبه.
- ثالثًا: كلام أهل العلم الذين اعتنَوْا بشرحه على الشاطبية.
- رابعًا: كلامُ تلامذتهِ عند ذِكْرِهِمْ لهذه المسألة.
- وبيانُ ذلك باختصار فيما يلي:
- أولًا: كلام الإمام الجعبري في هذه المسألة في شرحه على الشاطبية.
- قال الإمامُ الجعبريُّ- رحمه الله- بعد ذِكْرِهِ للوجهِ الممنوع: "...فبقي لنا ثلاثة أوجه مِن أربعة". كنز المعاني ٣٨١/١.
فهو يعلم الأوجه الأربعة، فنَفَى وجهًا وأثبت الباقي، والوجهُ المنفي معروف وهو وصل البسملة مع آخر السورة السابقة مع الوقف عليها، وليس فيه ذِكْرُ السكت، فلم يَقُلْ به، ولم يَقُلْ به أحدٌ مِن أهلِ العِلْم.
- وقال- رحمه الله-: "...ولو قال:
"فلا تسكتن" لكان أَسَدّ؛ لما يلزم مِن نَفْيِ السكت نَفْيِ الوقف بخلاف العكس...". كنز المعاني ٣٨١/١.
- فالظاهر مِن كلامه- رحمه الله- أنه يتفق مع الجمهور في منع الوجهِ المتفق على منعهِ مِن أوجهِ البسملة بين السورتين، وهو: وصل الأول بالثاني وقطع الثالث، وفيه يصل القارئ آخر السورة بالبسملة مع الوقف عليها.
- وأنه- رحمه الله- بعد نفيه لوجه الوقف على البسملة بين السورتين أراد نَفْيَ السكتِ عليها أيضًا؛ ليدلل بذلك على منع الوقف على البسملة مِن كُلِّ وجه.
- فالقارئ - بين السورتين- إذا وصل البسملةَ بآخرِ السورةِ السابقةِ لا يخلو مِن حالتين:
- إما أن يقف على البسملة.
- وإما أن يصلها بالسورة بعدها.
- والوجه الثاني جائز باتفاق أهل الأداء، فبقي الكلام على الأول.
- فلما ذَكَرَ الإمامُ الشاطبيُّ عدمَ صحةِ الوقفِ على البسملةِ، ولم يُفْهم منه عدمُ جوازِ السكتِ عليها؛ لأنَّ الوقفَ أعلى وأكثر زمنًا مِن السكت، ونَفْىُ الأعلى لا يَلزم منه نَفْيُ الأدني، أراد الجعبريُّ نَفْيَ السكتِ أيضًا، وبيانَ عدمِ جوازِهِ بحال، فقال لو أنَّ الإمام الشاطبيَّ قال "فلا تسكتن لكان أَسَدّ"؛ لأن نفيَ الأدني وهو السكت يَلزم منه نفيُ الأعلى وهو الوقف.
- فيُفهَم مِن كلامه أنه يَنفِي الوقف والسكت معًا، وهو ما عليه أهل الأداء.
ثانيًا: كلامه في هذه المسألة في مواضع أخرى مِن كتبه
- قال الإمامُ الجعبريُّ- رحمه الله- في "نزهة البررة":
................وَإِنْ وُصِلَتْ بِالسَّابِقِ الْقَطْعَ فَاحْذَرَا
169 views08:27