2023-01-02 11:27:19
- فقد قَرَّرَ في البيت- كما هو ظاهر- منعَ وجهِ وصلِ البسملةِ بآخرِ السورةِ السابقةِ مع الوقفِ عليها.
- نعم يَصْدُقُ القطعُ على الوقفِ والسكتِ معًا، لكنه- رحمه الله- لو أَرَادَ السكتَ حقيقة، ونَفَى الوقفَ لبَيَّن ذلك.
- فلما لم يَفعلْ حُمِلَ القطعُ- في كلامِهِ- على الوقف؛ لأنه الموافق- هنا- لمذهبِ أهلِ الأداء.
ثالثًا: كلام أهل العلم الذين اعتنَوا بشرحه على الشاطبية
- قال العلامة الكورانيُّ- رحمه الله-: "...قوله: "ولو قال: فلا تسكتن"، لكان أَسَدَّ لما يلزم مِن نفي السكت نفي الوقف دون العكس".
أقول: رَدَّ عليه صاحبُ "النـشـر" بـأن هـذا لم يقلـه أحـد، وكـلام الأئمة لا يقف القاری.
قلتُ: هذا الرد منه مردود نقلًا وعقلًا.
- أما نقلًا:
- فإن أبا شـامة وأبا عمـرو في التيسير عبَّرا بالقطع، وهو جنس يَصدُق على الوقف والسكت.
- والسخاوي لما ذَكـَرَ لفظ "الوقف" أولًا تداركه بلفظ "السكت" بعده.
- وأما عقلًا:
- فإن المحذور إنما هـو ثبوت إيهام أن البسملة للأولى، وهذا الإيهام موجود في السكت.
- ولأن الوصل في هذا الباب مذكور في مقابلة السكت کما تقدم.
- فإن قلتَ: فذِكْرُ الوقف مُخِلٌّ، فلم قال: "السكت أَسَدَّ"، فإنـه يـدل عـلى أن ذلـك أيضًا سديد؟!
- قلتُ: لما تكرر ذِكْرُ السكت قبله، والباب ليس باب الوقف يُحْمَلُ على الوقف لغة، فيشمل السكت، ويتعين بقرينة الباب...". العبقري ص ٣٩١،٣٩٠.
- قال العلامة إدريس المنجرة- رحمه الله-: "...قوله: "فلا تسكتن": هو جيد؛ لما تقرر مِن أنه إذا انتفى الخاص انتفى العام.
- والمنصوص المأخوذ به أن البسملة إذا قُطِعَتْ عن سابقها أو لاحقها لا تُقطَع إلا بالوقف؛ بدليل قول الناظم: "فلا تقفن"، وقول الداني في"جامعه"، واختياري في مذهب مَن فصل أن يقف.
- أقول: ما ذَكَرَ مِن أنه إذا انتفى الخاص انتفى العام مخالف للقاعدة؛ بل الأمر بالعكس، أي: كلما ما انتفى العام انتفى الخاص مِن غير عكس، كالحيوان والإنسان.
- وصواب العبارة: إذا انتفى الأخص انتفى الأشد...". فتح الباري ص ٥٦.
- قال العلامة الفاسيُّ- رحمه الله-: "...قوله: "ولو قال: فلا تسكتن لكان أسد" إلخ:
تعقب هذا ابنُ الجزريِّ في "نشره" قائلًا: "المراد بالقطع على البسملة هو الوقف كما نص عليه الشاطبيُّ وغيرُه".
- ثم نَقَلَ كلامَ الدانيِّ في ذلك، ثم قال: "وإنما نبهتُ عليه؛ لأن الجعبريَّ - رحمه الله- ظن أنه السكت المعروف، فقال في قول الشاطبيِّ: "فلا تقفن": "ولو قال: "فلا تسكتن" لكان أَسَدّ، وذلك وهْمٌ لم يتقدمه أحدٌ إليه" فانظر تمامَه فيه.
- وتَعَقَّب هذا التَّعَقُّب أبو عبد الله ابن المبارك صاحب الرائية على ما وُجِد بهامش نسخة مِن "النشر" بما حاصله: أن الجعبريَّ أراد تأكيد المنع بالنهي عن الأضعف الذي يُفهِم النهيَ عن الأقوى بالأحرى، لا [أنه] يَنصّ على أن الموضع محل سكت.
- ونظَّرَهُ بقوله تعالى: "فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما" بخلاف قول الناظم: "فلا تقفن". فإنه لا يلزم منه نفي السكت.
- هذا معنى كلامه، وهو شرح لكلام الجعبريِّ، وصحيحٌ حقًّا، لكنه بالنظر إلى العلة لا إلى مفهوم الكلام، والله سبحانه وتعالى أعلم...". شذا بخور العنبري ص ٤٩٩،٤٩٨.
رابعًا: كلامُ تلامذتهِ عند ذِكْرِهِمْ لهذه المسألة
نَقَلَ الإمامُ ابنُ الجنديِّ- رحمه الله- كلام شيخِهِ الجعبريِّ عند شرحهِ لهذا الموضع في شرحِهِ-"الجوهر النضيد" - على الشاطبية، وَصَدَّرَهُ بقوله: "قال شيخنا:...إلخ" ولم يُعَقِّبْ بشيء، وهذا دليلٌ على قبولِهِ، ولا شك أنَّ ابنَ الجنديِّ أعلم بمراد شيخه مِن غيره.
- فظهرَ مِن كلامِ الجعبريِّ نَفْسِهِ، وكلامِ ابنِ الجنديِّ والكورانيِّ والمنجرة والفاسيِّ صحةُ ما ذَكَرَهُ الإمام الجعبريُّ، وعدمُ قصدِهِ لما فَهِمَهُ الإمام ابنُ الجزريِّ، والله أعلم.
143 views08:27