2023-03-16 16:31:07
{ لا أحب الآفلين }!
القرآن ، ذلك الكتاب المبين، يجلي لك الحقيقة كما هي،
معراةً عن تزيين الشيطان،
مبرأة من زخرف القول وغروره،
مكللة بتاج سموها،ورفعة الله لها،
فلاتفارقك بعد هذا البيان حتى تسلب شيئامن لبك !
ثم تتوالى عليك الحقائق المجلاة تترا ، وكل حقيقة تأخذ معها جزءاً من قلبك، إلى أن تستل منك مشاعرك كلها، وحينها تتحقق عبوديتك!
ومن هذه الحقائق ماقصه القرآن علينا عن الأفول!
تلك الحجة البينة التي آتاها الله إبراهيم على قومه، يبرهن بها على أن الذي يعتريه الأفول لا يستحق أن يكون إلها يعبد!
الأفول مفهوم نمر عليه بالغدو والرواح، ولا نقف عنده، ولانستظل، ولانستريح.
الأفول يعني الغياب بعد الحضور ،
كان حاضرا معك ثم تركك!
ولعلك كنت وقت أفوله في أمس الحاجة إليه، لكنه مع ذلك قد تركك،
وليس هذا شأن من تتخذه إلها أبدا!
لايكون الإله غائبا أبدا،
ولايكون الإله غافلا أبدا،
لا يكون الإله إلا مدبرا لخلقه، قائما على كل نفس بماكسبت، وإلا انتفت الربوبية، وإن انتفت الربوبية انتفت الألوهية حتما!
الأفول.. ذاك اللفظ الذي كنَزَ من المعاني ما كنز :
فهو من جهة دليل عظيم على أن غير الله لا يستحق الألوهية، ولا تركن له النفس، ولا تسكن،
وهو من جهة أخرى مفهوم يغير مسار الحياة لو وقفنا عنده وتفكرنا :
كم نقضي من أعمارنا عبيدًا لشيء يأفل ؟!
كم تكبر في رؤوسنا افكار وتتضخم، ثم تأفل؟!
كم تكبر في قلوبنا مشاعر وتتضخم وتسرق العمر، ثم تأفل ؟!
كم نسمع عن نظريات من الشرق والغرب تظهر وتلمع وتبرق،ثم تأفل ؟!
حين يبين لنا الكتاب المبين حقيقة (الأفول) ستتحول هذه الحقيقة إلى قانون يتسلط حكمه على أفكارنا، ومشاعرنا، وقرارات حياتنا:
فلا نحب بعد إشراق( الإبانة) أن نشغل أنفسنا بما يأفل،
ولا نحب بعد إشراق الإبانة أن نسمع، أو نبصر، أو نناقش مايأفل،
ولانحب بعد إشراق الإبانة أن نؤسس لعلاقات،أومشاريع تكبر وتكبر ثم تأفل،
لأن العمر عن قريب يأفل!
مع هذه الحقيقة القرآنية سنعي أنه ليس للآفلين أن يسرقوا من جوهر الإنسان، الذي كرمه الله، فخلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وقال له اهبط ; بدنك للأرض، وروحك للسماء!
ومع هذه الحقيقة القرآنية ستتجلى لنا حقيقة أخرى كبرى، وهي أن الذي خلق هو الذي أمر،( ألا له الخلق والأمر)، وذاك حين جعل فطرة هذا الإنسان المركوزة في أعماقه، وجعل قلبه الساكن- في الصورة- خلف ضلوعه، الطائر - في الحقيقة- دوما باحثا عمن يعظمه ويتعلق به ،
وجعل روحه التي لايقر قرارها إلا في أعالي سموات ربها،
جعل كل هؤلاء لايُسَكِّنهم أبدا التعلق بمن يأفل، ثم أخبره بعد ذلك عن نفسه،فقال عز من قائل :
{ وهو معكم أينما كنتم}!
أنتم لاتستطيعون الثقة بمن يأفل، وليس ثَمَّ من لا يأفل إلا (الحي) الذي لايموت، (القيوم) الذي لايغيب بسنة ولانوم، وأينما كنتم هو معكم !
وفي الحقيقة: لن يملك عاقل بعد هذا البيان إلا أن يتيقن أنه ليس هناك ابدا من يستحق أن تصرف له المشاعر والأشواق، والحركات والسكنات، والنسك والصلوات، والحياة والممات، إلا الذي لا يغيب، ولا يغفل، ولا يأفل!
حينها فقط تثوب إليه طوعا كل المشاعر، وتأوي إليه كل الخواطر، ويستقبل قلبه (أمر) ربه:
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
حين يصله هذا المفهوم هو بنفسه سيقول :
قد غبنت يا صارف العمر على شيء يأفل!
قد غبنت حيث أرخصت الثمن!
3.5K views13:31