2022-05-05 04:43:52
قال ابن القيم رحمه الله :
فصل وأما النوع الثاني من الفتنة : ففتنة الشهوات وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله : «كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم» أي تمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها والخلاق هو النصيب المقدر ثم قال : «وخضتم كالذي خاضوا» فهذا الخوض بالباطل وهو الشبهات.
فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق والخوض بالباطل لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح فالأول : هو البدع وما والاها والثاني : فسق الأعمال.
فالأول فساد من جهة الشبهات والثاني من جهة الشهوات.
ولهذا كان السلف يقولون : احذروا من الناس صنفين : صاحب هوى قد فتنه هواه وصاحب دنيا أعمته دنياه
وكانوا يقولون : احذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون
وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع والهوى على العقل
فالأول : أصل فتنة الشبهة والثاني : أصل فتنة الشهوة
ففتنة الشبهات تدفع باليقين وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين فقال : «وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون»
فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
وجمع بينهما أيضا في قوله : «وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات وبالصبر الذي يكف عن الشهوات وجمع بينهما في قوله : «واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار» فالأيدي : القوى والعزائم في ذات الله والأبصار : البصائر في أمر الله وعبارات السلف تدور على ذلكّ
قال ابن عباس : أولي القوة في طاعة الله والمعرفة بالله
وقال الكلبي : أولي القوة في العبادة والبصر فيها
وقال مجاهد : الأيدي : القوة في طاعة الله والأبصار : البصر في الحق
وقال سعيد بن جبير : الأيدي : القوة في العمل والأبصار : بصرهم بما هم فيه من دينهم
وقال جاء في حديث مرسل : إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات
فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة والله المستعان
من كتاب إغاثة اللهفان
https://telegram.me/ArifAlrikaby
229 views01:43