2021-11-02 21:10:33
وقد يُقال : أن رواية المفضل بن عمر الجعفي بصدد ذم منتحلي الفلسفة ادعاءً وكذبا ولا تذم الفلسفة ولا الفلاسفة.
ولكن لو خلينا نحن و عبارة : (لمنتحلي الفلسفة) وغضضنا الطرف عن القرائن الأخرى المنساقة في الانتقاص من الفلاسفة والفلسفة معا يمكن أن ينتفي الاحتمال والاعتراض المزبور .
وبعبارة أخرى لو نظرنا لرواية المفضل بمجموعها لرأينا الرواية منساقة بموارد ومواضع متعددة تستصغر الفلاسفة وتنال منهم ومما يحملون فلا مجال حينها لتوهم القدح في خصوص المدعين.
ومن جهة أخرى لو كان الذم لمدعي الفلسفة كذبا دون أصحابها لما كان التحامل على الفلسفة والفلاسفة بهذا السياق غير المكترث بهما ولا المنوه لفضلهما.
ثم إذا كان المقصود المدعين دون غيرهم كما قال المعترضون لخرج الكلام عن الإنصاف والموضوعية إلى جانب عدم الاعتدال وبخس هؤلاء حقهم وهذا مما لا يمكن صدوره من الإمام الصادق عليه السلام وهو يتكلم بهذه الدقة والإتقان العجيب الذي يقصر علماء المعرفة عن محاذاة مراه ونيل مناله.
ومضافا لذلك أن نعت الإمام الصادق عليه السلام للفلاسفة بالتعاسة والخيبة لِما يحملون من فلسفة كانت مترجمة عند المسلمين ومن ثم وصلت إلينا عِبر الفلاسفة جيلا بعد جيل.
وذكر الميرزا النوري عن العلامة الأردبيلي في حديقة الشيعة : نقلا عن السيد المرتضى ابن الداعي الحسيني الرازي ، بإسناده عن الشيخ المفيد ، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن أبيه محمد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عبد الله ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه قال لأبي هاشم الجعفري : (يا أبا هاشم ، سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة ، وقلوبهم مظلمة متكدرة ، السنة فيهم بدعة ، والبدعة فيهم سنة ، المؤمن بينهم محقر ، والفاسق بينهم موقر ، أمراؤهم جاهلون جائرون ، وعلماؤهم في أبواب الظلمة ، أغنياؤهم يسرقون زاد الفقراء ، وأصاغرهم يتقدمون على الكبراء ، وكل جاهل عندهم خبير ، وكل محيل عندهم فقير ، لا يميزون بين المخلص والمرتاب ، لا يعرفون الضأن من الذئاب ، علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض ، لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف).مستدرك الوسائل،ج11،ص380
وقد حاول أتباع الفلسفة الانتصار لها من خلال جعل الأحاديث الذامة للفلسفة كالأحاديث الذامة للكلام في حين إن الأحاديث الناهي عن الكلام والذامة له في خصوص التكلم بذات الله عز وجل كما روي عن الإمام الصادق : (إياكم والكلام في الله ، تكلموا في عظمته ولا تكلموا فيه فإن الكلام في الله لا يزداد إلا تيها). توحيد الصدوق،ص457
وقد عقد الشيخ الصدوق أحد أبواب التوحيد تحت عنوان : (النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله عز وجل) .
أو في خصوص من لا يحسن الكلام كما قال الإمام الصادق عليه السلام ليونس بن يعقوب : (يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته).أصول الكافي،ج1،ص219
إلى غير ذلك من المخالفات الشرعية واللوازم الفاسدة . وقد لخص الحر العاملي بعض الحلاذير التي بينتها الأحاديث في عنوان واحد : (باب عدم جواز الكلام في ذات الله والتفكر في ذلك ، والخصومة في الدين والكلام بغير كلام الأئمة عليهم السلام).أنظر وسائل الشيعة،ج11،ص452.
ولا يخفى أن بعض الأحاديث جاءت مطلقة بذم الكلام إلا أنها تُقيد في خصوص الكلام بالذات الإلهية ، أو غيرها من المحاذير المذكورة في الأحاديث فتأمل ولا يشتبه عليك الأمر.
بل توجد لدينا أحاديث تأمر بالكلام كما روي أن الإمام الصادق عليه السلام قال لهشام بن الحكم : (مثلك فليكلم الناس) أصول الكافي،ج1،ص221
وأيضا قال عليه السلام لعبد الرحمن بن الحجاج : (يا عبد الرحمن كلم أهل المدينة فاني أحب أن يرى في رجال الشيعة مثلك).اختيار معرفة الرجال،ص325
الجواب الثاني :
إن الفلسفة بالرغم من ترجمة بعض كتبها في زمن بني أمية إلا أنها لم تكن منتشرة ولذا لم تكن محل اهتمام المسلمين ورد الأئمة المتقدمين عليها ، وإنما انتشرت في زمن الدولة العباسية بعد ما تبنت السلطة العباسية ترجمتها والترويج لها .
ولم يردع عنها الأئمة اللاحقون عليهم السلام لأنها تمثل المواجهة مع السلطة إذ يكفي فيمن نقض الفلسفة الوشاية به إلى الحاكم كما كان من أمر هشام بن الحكم فقد روي عن يونس بن عبد الرحمن ، قال : كان يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام بن الحكم شيئا من طعنه على الفلاسفة ، وأحب أن يغري به هارون ويضريه على القتل.اختيار معرفة الرجال،ص114
وهذا يعني أن اتخاذ منهج الطعن على الفلسفة يمثل مجابهة السلطة العباسية ومن هنا يكون من المتوقع جدا أن الأئمة اللاحقون عليهم السلام تجنبوا الطعن فيها تقية أو أن الأحاديث التي صدرت منهم لخواصهم أخفاها الرواة تقية .
247 views18:10