2021-09-10 17:29:28
كمال العبودية ، وطمأنينة القلب ، وراحة النفس في
الاستغناء عن الخلق ، ولهذا المعنى اختص النبي ﷺ بعض أصحابه بالوصية بألا يسألوا الناس شيئا ، فكان أحدهم ربما سقط السوط من يده فلا يطلب من غيره أن يناوله إياه ، تحقيقا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم له .
والطريق إلى تحقيق هذا الكمال هو تعويد الإنسان نفسه على اليأس مما عند الناس حتى كأنه غير موجود ، وهذا معنى قول عمر رضي الله عنه :
" الطمع فقر ، واليأس غنى ، وإن أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه " .وأصحاب هذا المقام العالي لا يبالون حتى لو فرط الناس في أداء ما يجب عليهم من الحقوق تجاههم ، وإنما همهم أن يقوموا بما يجب عليهم من حقوق الناس ديانة لله تعالى ، لا يقصدون طلب المعاوضة ، ولا إلى كيف يكون رد الجميل ، ولا ينتظرون الشكر من أحد ، وهذا معنى قول الإمام ابن القيم رحمه الله :
" من علامات العارف أنه لا يطالب ولا يخاصم ولا يعاتب ولا يرى له على أحد حقا ".ومدار ذلك على أن نظر المؤمن إنما هو في القيام بما أمر الله إخلاصا لوجه الله ، وهمه ورجاؤه هو أن يرضى الله عنه ويتقبل عمله ، وأما الناس فلا يشغله موقفهم منه ، ولا يجعله مطلبا له ، فهو حين يتصدق على محتاج لا ينتظر ما يكون من المحتاج أشكره أم لا ، وإنما يكون حاله كما قال الله تعالى :
" إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِیدُ مِنكُمۡ جَزَاۤءࣰ وَلَا شُكُورًا ". وبهذا يتحقق الكمال في تعامل المؤمن حتى مع ذريته وزوجه وقريبه وصاحبه فضلا عن سائر الناس ، فإن حصل منهم وفاء وأداء لما يجب عليهم من الحقوق فهو خير وفقهم الله للقيام به ، ويرجى لهم الثواب عليه ، وإن قصروا لم يطالبهم ولم يعاتبهم ، وإنما يتركهم وما اختاروه لأنفسهم ، وأمرهم إلى الله تعالى .
ومن رُزق هذا المقام فقد أوتي خيرا كثيرا ، واستراح مما يعانيه كثير من الناس من أن هذا لم يقم بواجبي عليه ، وهذا لم يشكرني على إحساني إليه ، وهذا لم يعرف مقامي ولم يقدرني حق قدري ، وهذا ما كان يستحق أن أحسن إليه ، وهذا لابد أن أنتقم منه ، وهكذا يبقى القلب في تحسر وقلق واضطراب دائم ، مع أن الآخرين لا يشعرون بك ولا يعرفون ما أنت فيه ، ولو أنك أخلصت عملك لله على الوجه الأكمل لم تحتج إلى شيء من هذا ، ولوجدت من توفيق الله لك وتيسير أمورك ما لم يكن يخطر لك على بال .
312 views14:29