2021-08-27 09:57:11
من القواعد المهمة المعينة على التسليم للنصوص الشرعية تسليمًا تامًّا : أنَّ ما ثبت أنه من الوحي فيجب الانقياد له والتصديق به ، ولو مع عدم تصوُّر معناه ؛ لأنه لما أتى من مصدرٍ معصومٍ فقد دلَّ العقلُ دلالةً قاطعةً على استحالة أن يكون كلام المعصوم باطلاً ، أو يمكن ردُّه لعدم فهمه ، وغير ذلك من أعذار عدم التسليم .
وتقرير هذا الأصل أولى بالتقديم من السعي لرفع الإشكال عن آحاد النصوص التي يستشكلها المتأثرون بالشبهات ؛ لأن رسوخ هذا الأصل في قلب المؤمن على قاعدةٍ برهانيةٍ يكنس عن قلبه كثيرا من الاستشكالات الباردة ، التي لولا ضعف رسوخ هذا الأصل لما تسلَّلت إلى قلبه ولا عبثت به .
وهذا الأصل تجده مقررا في كل منهج معرفي بحسبه ، سواء من مناهج المؤمنين أو غيرهم ، فلم يختص به المسلمون ، حتى لا يُلصق به التشنيعُ السخيفُ بأن هذا مأخوذٌ من كون الإيمان - أيَّ إيمانٍ دينيٍّ - اعتقادًا غير مبرهن .
فإنك تجد العالماني مثلاً يقول : لا تزال مسألة "التسامح" غير محلولةٍ ، ومع ذلك فإن قواعد المنهج العالماني - وقواعده فقط - كفيلةٌ بحلِّها في المستقبل ، أو لا يمكن الوثوق بغيرها لحلِّها .
وتجد العلمويَّ يقول : لا تزال مسألة التفسير العلمي للوعي غير محلولةٍ ، ومع ذلك فإن قواعد المنهج العلموي - وقواعده فقط - كفيلةٌ بحلِّها في المستقبل ، أو لا يمكن الوثوق بغيرها لحلِّها .
فأنت تجد الجميع يحيل الكلام عن الجزئيات المشكلة غير المفهومة إلى التسليم بأصلٍ منهجيٍّ كليٍّ ، سواء كانت الإحالة إلى الماضي أو المستقبل .
فهذه الإحالة - إلى الماضي أو المستقبل - بناءً على الوثوق الآني بمنهجٍ معرفيٍّ محددٍ = قدرٌ مشتركٌ إنساني .
لكن الفارق المميز الصحيح بين جميع الإحالات هو بين إحالة إلى معصومٍ من الخطأ وإحالة إلى غير معصومٍ منه ، فهذا هو الفارق المعتبر ، وأما كون الإحالة للماضي أو المستقبل فغير مؤثرة في نفسها في قوة الحجة أو ضعفها .
وإذا كان لا ينجو منتسب لمنهج معرفي من جزئيات لا يمكنه فهمها على ضوء هذا المنهج = فإن الواجب تحصيله هو الالتزام بالمنهج الذي يكون التسليم فيه بهذه الجزئيات تسليمًا صحيحًا ، أي على قاعدةٍ برهانيةٍ سليمةٍ ، ولا ريب أن النظر الصحيح من العقل الصريح يؤدي هنا إلى الإيمان بمنهج الوحي المعصوم .
244 views06:57