2023-02-22 11:01:43
تذكير:
نحن بشر لا نملك إدراكًا مُطلقًا، بالتالي فإن عقلنا محدود وقاصر على المدى الذي أراد الله تعالى له أن يكون. فلا نستطيع كشف ما وراء الحِكم الإلهية ولا نحن نملك سلطة الجزم بأن ما حدث هو عقاب أو رحمة.
لكن يمكننا سؤال أنفسنا… إله عظيم حكيم لا يحده زمان أو مكان نعترف له بحكمة مطلقة، مُحيط بجميع الأشياء على حقائقها ويعلم ما حدث وما سيحدث وما قد يحدث وحتى الذي لم يحدث!
فهل يا تُرى ما قدر الله له أن يحدث من زلزال وآثاره هو مُجرد عبث؟ أو حتى ضرر؟
قدر أرى أحيانا أن أفعال والديّ تجاهي هي ضرر وغضب وكره بالنسبة لي، لكنها محبة ورحمة وحكمة بليغة من قبل والديّ.
لكن هذا المثال البسيط لن يقنعك عزيزي القارئ أو حتى يُقنع نفسي الأمارة بالسوء التي تظن أن منطقها ومبادئها الخاصة ووجهة نظرها أعلم من ربّ - حاشىَ لله - خلق كل شيء بقدر وبتفصيل.
إذا نظرت لهذا الكون الواسع المُخيف ومن جانب آخر إلى الآيات القرآنية التي تُشير إلى هذا الكون وعجائب مخلوقاته فسنرى أن المطلوب منا ليس البحث عن أسباب الخلق وعمّا وراء الغيب وعن الأمور المُبهمة بغض النظر عن تطور العلوم في الأبحاث وغيرها بقدر ما هو مطلوب أن نتفكر!
{قُلِ انْظُرُوا}
{لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب}
{وَيَتَفَكَّرُونَ}
{لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ}
{لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ}
{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}
وغيرها الكثير من الآيات التي تحثنا على التفكر، التدبر، القياس والتأمل.
لكل من يؤمن بالعلم إيمانًا مُطلقا، فها نحن مُحيطون علمًا بطبقات الأرض وبكيفية وأسباب حدوث الزلازل وها نحن نملك كافة أساليب التقنية والتطور، ولكن عشر ثوانٍ مفاجئة يفر المرء هرعًا ناسيًا حتى نفسه.
في هذه الأحداث المُشابهة لبعضها البعض من دماء جارية وبكاء مُرتفع صوته وصدمات يعجز اللسان عن وصفها لا يسعنا سوى الدعاء، المُساهمة ومحاولة التغيير.
أحداث كهذه تعلمنا الصبر، العظة، السرعة، المبادرة، التسليم، التغيير وتكشف لنا حقائق مخفية عن أنفسنا بل عن البشر بل عن العالم كله.
ماذا عمّن ذهب من المؤمنين؟ فهو تمت دعوته من قبل الخالق إلى مالا عينٌ رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ماذا عمّن فُقِد؟ فقد تمت دعوة فقيده ليشفع له وليكون نقطة تحول وتغيير في حياته وشخصيته نحو الآخرة.
ماذا عمّن تضرر؟ صدقني لن يكون حسابه مثل حسابنا نحن المُطمئنين ولن يكون عوضه عاديًا كعوضنا ولو رأينا ما أعد الله له يوما ما لقلنا: ليتني كنتُ مكانه!
يقول تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} وماذا بعد كل هذا؟ {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
إن ما حدث معهم قد جمع الخوف والجوع والنقص. فهذه الآية تصفهم وصفًا دقيقا وتُسكت أفواهنا عن قول: لما حدث ذلك؟ وأين رحمة الله في ذلك بل وتُخبرنا بشكل مُسبق عما قد يحدث معنا. بالتالي فإنها حجة على من عاند واستكبر وحجة لمن آمن وصبر.
يمكنك رؤية الصبر الشديد بأعظم مراحله من قبلهم وسماع تردد كلمة: الحمد لله، الحمد لله!
هم قدوة لنا.. نحن الذين نبكي إن جُرح إصبعنا، نحن المهووسين بممتلكاتنا، نحن المزعزعون من قبل فكرتين: الموت والفقد.
هم قدوة لنا كما كان مقتل عثمان رضي الله عنه وهو مُطمئن أمام مُصحفه طعنًا وغدرًا.
إن نظرنا للقصص السابقة فسنرى أن الطواغيت والأمم الفاسدة لم يأتيها العذاب إلا كنهاية أخيرة لهم. ولم يسبق لهم معاناة المصائب والابتلاءات كما سبق مع الصحابة والأمم الصالحة.
يُخيفني قوله تعالى: {قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِير}
يُخيفني ألّا يشهد أحدنا عذاب الدنيا بل يُمتع طويلاً لينتظره عذاب دار الخلود!
كل ما يمكننا قوله هو {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
إن الإيمان بالقدر خيره وشره هو أحد أركان الإيمان ولاحظ بأنه سبق وقيل لنا خيره و (شره) بالتالي لنحيط علمًا ونأخذ حذرنا بأنه بالتأكيد سيُصيبنا أقدار مؤلمة فاجعة وبها شر لنا فنحن لسنا في حياةٍ وردية أو في الجنة فلا ينبغي علينا الجزع والتسخط وقول هذه حياة أو هذا قدر غير عادل! فنحن قد أخبرناك مسبقًا أنها دار ابتلاء وفناء ومحطة قصيرة تطغى بها المعاناة على التمتع ولن يحدث العدل إلا يوم العدل من قبل العادل الأحد وأن تموت مظلومًا خيرٌ لك من الموت ظالمًا.
فأشهد لك يا رب برضا والتسليم وألا أسألك عمّا تفعله فأنت تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك وأنت علام الغيوب.
674 views08:01