2022-06-22 07:30:53
من الأرشيف:
البعض يتوهم أن ابن القيم لا يعذر أهل القبلة
كثيرا ما يتناقل أقوام قول ابن القيم في طريق الهجرتين ثم يزعم أنه دليل على عدم العذر بالجهل -مع أن ابن القيم رحمه الله لا يكون حجة أبدا على خلاف الأدلة والصحابة والسلف، ولا مَنْ هو أعلى منه كعبا في العلم- مع أنه رحمه الله لم يقل ذلك وإنما هو سوء فهم من الناقلين فقوَّلوا الشيخ ما لم يقُلْه بل وربما ما دار في خلده.
وقد بينت هذا في كتابي إسعاف السؤال.
ومختصره أن هذا كان في تقسيمه وهو يتكلم عن الكفار الأصليين وأما في أهل القبلة فإن ابن القيم يعذرهم بالجهل والتأويل المعتبر كشيخه ابن تيمية تماما.
إلا أن يكون جاحدا لأصل التوحيد، بحيث يقول إنسان من أهل القبلة بتعدد الآلهة ويصرح بصرف العبادة لغير الله ثم يزعم أنه مسلم، بل هذا ملحق بالكفار الأصليين.
بخلاف من توهم شيئا ظنه من الدين فهو عند نفسه متبع للدليل وهو مع ذلك يصرح بوحدانية الله وينطق بذلك بل وينكر أن يُعبد غير الله ويسمي فاعل ذلك والقائل به كافرا ونحو ذلك مما نقطع به بأنه مستمسك بأصل دينه القائم على وحدانية الله تعالى، فهذا لابد في تكفيره بما ظهر منه من كفر من إقامة الحجة وكشف الشبهة.
فالتصريح بتعدد الآلهة والقول بصرف كذا وكذا من العبادة تعبدا لغير الله -فهو يصرح بعبادته لفلان- كل هذا لا عذر له فيه البتة؛ لكون الجهل هنا غير معتبر وغير متصور.
فأهل السنة لا يعذرون بكل جهل وتأويل ولكن بالمعتبر منه.
فالحجة قد قامت عليه بلفظ شهادته (لا إله إلا الله) فالكلمة تنقض الكلمة.
فصار حاله كمن يقول: لا إله إلا الله والولي إله مع الله.
على طريقة المشركين:
إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك.
ومما لا يقبل فيه عذر السب والاستهزاء والشكيك والطعن والسجود للصليب والصنم والتصريح بأنه يهودي أو نصراني أو على غير ملة الإسلام ونحو ذلك.
فالمقدمة عند أهل السنة صحيحة وهي إثبات العذر بالجهل والتأويل المعتبر في أهل القبلة ثم هم يستثنون من ذلك ما لا يكون مندرجا تحت هذا الأصل.
فمنه ما يُتصور ومنه ما لا يتصور، وذلك خلافا للمبتدعة المعتزلة ومن تبعهم من المقلدة ومن تأثر بهم خطأ وإحسانا للظن في القائل حيث قلبوا المسألة فجعلوا الأصل عدم العذر مطلقا.
وإليك هذه المسألة تقرب الأمر وتوضحه:
س/ السلام عليكم شيخنا عندي سؤال:
هل يمكن أن نتصور التأويل في الشرك ممن يقعون فيه من أهل القبلة؟
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نعم يمكن تصور التأويل والجهل في الشرك والكفر الأكبر، ومن صور ذلك أن يظن صحة الخبر وما أفاده الخبر، وإليك مثالين:
أثر ابن مسعود وبنحوه عن ابن عباس:(إذا انفلتت دابة أحدكم بفلاة من الأرض فليناد يا عباد الله احبسوا).
وعن ابن عمر أنه خَدَرَت قَدمُه فقال له رجل عنده: اذكر أحب الناس إليك، فقال:(وامحمداه).
وهناك أدلة أخرى ليست بالقليلة تحتاج منا إلى علم وبصيرة.
فمنها ما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا في سياق ذكر قصة إبراهيم ﷺ وهاجر عليها السلام مع ابنها إسماعيل ﷺ وتركه إياهما بواد غير ذي زرع وهرولتها بين الصفا والمروة:
قال النبي ﷺ :"ﻓﺬﻟﻚ ﺳﻌﻲ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ، ﻓﻠﻤﺎ ﺃﺷﺮﻓﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮﻭﺓ ﺳﻤﻌﺖ ﺻﻮﺗﺎ، ﻓﻘﺎﻟﺖ ﺻﻪ - ﺗﺮﻳﺪ ﻧﻔﺴﻬﺎ -، ﺛﻢ ﺗﺴﻤﻌﺖ، ﻓﺴﻤﻌﺖ ﺃﻳﻀﺎ، ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻗﺪ ﺃﺳﻤﻌﺖ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﻨﺪﻙ ﻏﻮاﺙ".... الحديث.
فعلى أهل السنة أن ينزلوا من بروجهم العاجية ويتعلموا ولينظروا في شبه هؤلاء الواقعين في الشرك ليستبصروا في حالهم وليردوا بعلم ويزيلوا الشبه لتقوم الحجة وتستبين السبيل ويهتدي القوم إن كتب الله لهم ذلك.
أما إطلاق الأحكام جزافا من أعالي الأبراج ظانين أن القوم يحتجون بالهوى المحض أو من كتب اليونان أو من التوراة والإنجيل المحرفة فهذا كلٌ يُحسنه، وكما أن هؤلاء يكفرونهم فؤلئك أيضا يكفرونهم.
ولهذا عظمت الشقة واتسعت الرقعة على الراقع وهذا لا يجدي عنا شيئا وإنما بالعلم أمرنا وبه نَأخذ ونُؤخذ. والله أعلم.
361 viewsedited 04:30