2022-06-12 21:21:26
تدبُّرٌ في "سورة الصفّ" المُباركة
كنتُ أنوي تأجيل إعطاء الأمثلة إلى حين انتهائي من ذكر الأصول والقواعد والملاحظات، ولكنّي سأعطي هذا المثال توضيحاً للصورة عموماً.
وأتمنّى على المُتابع الكريم أن يقوم قبل قراءة المثال بتدبّر السورة أوّلاً، ثم يُقارن نتائج تدبّره بما سأذكره، وذلك لضمان تحصيل أكبر فائدة ممكنة.
فقد تحدّثتُ في منشور الأمس: أنّ الانسان قد ينظر إلى القرآن "نظرة تفصيليّة" فيتعجّب من كثرة التفاصيل وعدم الترابط، مع أنه لو نظر إليه "بعين الوحدة" لتعجّب من شدّة وقوّة ارتباط المعاني.
فهذه السورة مثلاً قد تبدو آياتها غير مترابطة: مخالفة القول للفعل، القتال صفاً، موسى (ع) مع قومه، عيسى (ع) والتبشير بالنبي (ص)، افتراء الكذب على الله تعالى، إطفاء نور الله تعالى، ارسال الرسول بالهدى، الجهاد في سبيل الله وجزاءه، طلب عيسى (ع) من الحواريين.
ولكنّ الناظر إليها بعين الوحدة يجدها تتحدّث عن موضوع واحد هو: إرسال الله تعالى الرسل للناس، ودعوتهم إلى الدين والإسلام، وكفر الكفّار بالرسل والدين وتكذيبهم ومحاربتهم، وكيفية جهاد المؤمنين للكفّار وجزاؤهم عليه.
وتكون بذلك للسورة 4 محاور (مع فصل عنوان الجزاء عن الإيمان والجهاد، و3 دون الفصل):
الله تعالى أرسَلَ الرُسل (موسى وعيسى وأحمد عليهم السلام) للدعوة إلى الإسلام الذي هو نور الله تعالى ودين الحقّ والهُدى (وقد لوّنتُ المعاني التي تتحدّث عن ذلك في الصور المُرفقة باللون الأخضر)
تكذيبُ الكافرين المُشركين الظالمين الفاسقين لله ورسله، وإيذاؤهم واتّهامهم وافتراؤهم الكذب عليهم وقتالهم، سَعياً لإطفاء نور الله تعالى (وقد لوّنتُ هذه المعاني في الصور المرفقة باللّون الأحمر)
ايمانُ المؤمنين بالله ورُسُله، وجهادهم في سبيله بأموالهم وأنفسهم صفاً كأنّهم بُنيان مرصوص، وموافقة قولهم فعلهم وهو ما يُحبّه الله تعالى، وهي التجارة المُنجية من النار (وقد لوّنتُ هذه المعاني في الصور باللون الأزرق)
ثواب المؤمنين وجزاؤهم على تلك التجارة، ومآل الأمر في النهاية (وقد لوّنتُ هذه المعاني باللون البنفسجي)
ولكيلا أطيل المنشور، فقد أرفقتُه بصورتين:
صورة للسورة بالألوان المذكورة ليُمكن من خلالها الالتفات إلى المعاني المذكورة وربطها.
جدولٌ يوضح عناوين هذه المحاور في الصفّ الأعلى، وتفصيلاتها بحسب الآيات في الصفّ الأسفل.
ويبقى أن أشير إلى بعض المعاني المُمكن تدبّرها من باطن الآيات على سبيل المثل لا الحصر:
مبدأ كلّ شيء دوماً وأصله ومرجعه إلى الله تعالى (سرّ الآية الأولى)
"يمقتُ" الله تعالى مقتاً كبيراً مخالفةَ القول للفعل والظاهر للباطن، و "يحبُّ" في المقابل القتال صفاً كالبنيان المرصوص (مقتٌ في مقابل حب)
"المقتُ" هو البُغض الشديد، فإذا اقترن بـ "كَبُرَ" زادت شدّته، فإذا مَقَتَ "العظيمُ" الذي هو الله تعالى شيئاً مقتاً كبيراً، صار بُغضاً عظيماً من "العظيم"، فتأمّل فداحة المبغوض هنا!!
انْ قاتلتم كما "يُحبّ" الله تعالى (صفاً كالبُنيان المرصوص) تلقونَ ما "تُحبّونه" {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (حُبٌ يؤدي إلى حُب)
كونوا أنصار "رسول الله" {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} تكونوا "أنصاراً لله تعالى" {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ}، إذ الرسول كلّه لله {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} (فناءُ العبد في الربّ)
في مناصرة "الرسول الواحد" توحيد تفرّقكم ولمّ شملكم ورصّ صفّكم وتمتين بُنيانكم...
إنّ الله تعالى "الواحد الأحد" كما جَمَعَ بين كثرة "الأنبياء" بصبغة وحدة "الرسالة"، وجَمَعَ بين كثرة "الشرائع" بصبغة وحدة "الإسلام"، أحبّ أن يجمعَ المؤمن ويوحِّدَ بين ظاهره وباطنه وقوله وفعله، وأنْ يجمعَ المؤمنون أنفسَهم -في قتالهم في سبيله الواحد- صفاً واحداً كّالبُنيان المرصوص.
فبالتوحيد والاتّحاد يكون النصرُ من "الله الواحد" والفتح القريب.
السلام على المُتمِّ الأكبر لنور الله تعالى مولاي صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف
والحمد لله رب العالمين
#بحثُ التدبّر في القرآن الكريم
160 views18:21