2022-08-30 21:47:44
العنوان: أُوصِيكُمْ بِذِكْرِ اَلْمَوْتِ وَإِقْلاَلِ اَلْغَفْلَةِ عَنْهُ
المصدر: الشرح مستفاد من كتاب "شرح نهج البلاغة" لابن ميثم البحراني (رض)
أوصاهم (أمير المؤمنين عليه السلام) بذكر الموت وإقلال الغفلة عنه، وذلك لما يستلزم ذكره من الانزجار عن المعاصي، وذكر المعاد إلى اللَّه سبحانه ووعده ووعيده، والرغبة عن الدّنيا وتنقيص لذّاتها كما قال الرسول صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم: "أكثروا من ذكر هادم اللذّات"...
ثمّ استفهمهم عن غفلتهم عنه، وطمعهم فيه، مع كونه لا يغفلهم ولا يمهلهم استفهام توبيخ على ذلك.
ولأجل ما فيه من شدّة الاعتبار قال: "فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ"... وذكر من أحوال الموت أموراً:
أحدها: كيفيّة حملهم إلى قبورهم غير راكبين مع كونهم في صورة ركوب منفور عنه.
الثانية: إنزالهم إلى القبور على غير عادة النزول المتعارف المقصود، فكأنّهم في تلك الحال مع طول مددهم في الدنيا وعمارتهم لها وركونهم إليها لم يكونوا لها عمّاراً وكأنّ الآخرة لم تزل داراً...
الثالثة: ايحاشهم ما كانوا يوطنون من منازل الدنيا ومسالكها.
الرابعة: ايطانهم ما كانوا يوحشون من القبور الَّتي هي أوّل منازل الآخرة.
الخامسة: اشتغالهم بما فارقوا (من ملذّات الدّنيا)
السادسة: إضاعتهم ما إليه انتقلوا وهي دار الآخرة، ومعنى إضاعتهم لها تركهم الأسباب الموصلة إلى ثوابها والمبعّدة من عقابها.
السابعة: كونهم لا يستطيعون الانتقال عمّا حصلوا عليه من الأفعال القبيحة الَّتي ألزمتهم العذاب وأكسبت نفوسهم ملكات السوء، وذلك ظاهر، إذ لانتقال عن ذلك لا يمكن إلَّا في دار العمل وهي الدنيا.
الثامنة: وكذلك لا من حسنة يستطيعون ازدياداً: أي من الأعمال الحسنة الموجبة للملكات الخيريّة والثواب الدائم...
التاسعة: أنّهم أنسوا بالدنيا حتّى غرّتهم.
العاشرة: كونهم وثقوا بها حتّى صرعتهم...
ثمّ أمرهم -على طريق الوصيّة- أن يسابقوا إلى منازلهم الَّتي أمروا أن يعمّروها والَّتي رغَّبوا فيها ودعوا إليها، وهي منازل الجنّة ومراتب الأبرار فيها، وعمارتها بالأعمال الصالحة الموافقة لمقتضى النواميس الإلهيّة وتحصيل الكمالات النفسانيّة عنها.
والمعنى ليسابق بعضكم بعضاً إلى منازلكم ومراتب درجاتكم من الجنّة وعمارتها بتحصيل الكمالات النفسانيّة وموافقة الشرع الإلهيّة...
ثمّ أمرهم بالصبر على طاعة اللَّه وعلى مجانبة المعصية، ورغَّب بكونه سبباً يستتمّ به نعمة اللَّه عليهم. ولمّا كان استلزامه لها كالثمرة له وكانت ثمرة الصبر حلاوة قدّمها ليحلو الصبر بذكرها.
قوله: "فَإِنَّ غَداً مِنَ اَلْيَوْمِ قَرِيبٌ" تخويفٌ من الساعة وقربها، ولم يرد بغد ولا اليوم حقيقتهما، بل أراد بغد القيامة، وباليوم مدّة الحياة...
208 views18:47