2021-07-01 20:57:51
الطفل والزواج
«لي سؤال أخصك به لأسبر أعماق روحك يا أخي: أنت في مقتبل العمر وتتمنى أن يكون لك زوجة وولد،
ولكن قل لي هل أنت الرجل الذي يحق له هذا التمني؟
أأنت الظافر المنتصر على نفسه،
الحاكم على حواسه،
السائد على فضائله؟ أم أن تمنيك هذا ليس إلا شهوة حيوان أو خشية منفرد أو اضطراب من قام النزاع بينه وبين نفسه؟
إن ما أريده منك هو أن تتوق بانتصارك وحريتك إلى التجدد بالولد؛
إذ عليك أن تقيم الأنصاب إلى ما فوق مستواك، وهل بوسعك أن تفعل إذا لم تكن متين البنية من رأسك إلى أخمص قدميك؟
ليس عليك أن ترسل سلالتك إلى الأمام فحسب،
بل عليك بخاصة أن ترفعها إلى ما فوق.
فليكن عملك في حقل الزواج منصبًّا إلى هذه الغاية.
عليك أن توجد جسدًا جوهره أنقى من جوهر جسدك؛
ليكون حركة أولى وعجلة تدور لنفسها على محورها،
فواجبك إذن إنما هو إبداع من يبدع.
ما الزواج في عرفي إلا اتحاد إرادتين لإيجاد فرد يفوق من كانا علَّة وجوده،
فالزواج حرمة متبادلة ترسو على احترام هذه الإرادة.
ليكن هذا معنى زواجك وحقيقته،
أما ما يدعوه الدخلاء الأغبياء زواجًا فأمر أحار في تعريفه،
فما هو إلا مسكنة روحية يتقاسمها اثنان،
ودنس يتمرَّغ به اثنان،
ولذة بائسة تتحكم في اثنين، ولكن الدخلاء يرون في مثل هذا الزواج رباطًا عقدته السماء.
وما أنا بالمرتضي بمثل هذه السماء،
سماء الدخلاء أطبقت شباكها عليهم،
تبًّا لها، وسحقًا لمثل هذا الإله الذي يتقدم متراجعًا ليبارك اثنين لم يجمع هو بينهما.
لا يضحكنكم هذا الزواج، فكم من طفل من حقه أن يبكي على أبويه!
رأيت رجلًا وقورًا فحسبته بالغًا من النضوج ما يدرك به معنى الأرض، ولكنني رأيت امرأته بعد ذلك فلاحت لي الأرض كأنها مأوى المجانين،
أود لو تميد الأرض بي عندما أرى رجلًا فاضلًا يتخذ له زوجة حمقاء.
من الناس من يتجرد كالأبطال سعيًا وراء الحقائق، فلا يلبث حتى يصطاد رباطًا مزيفًا يدعوه زواجًا. ومنهم من اشتهر بحذره في علاقاته وبصرامته في اختياره، فإذا هو بين ليلة وضحاها قد أفسد حياته ووقف يدعو هذا الإفساد زواجًا.
ومنهم أيضًا من كان يفتش عن خادمة لها فضائل الملائكة،
فإذا هو ينقلب فجأة خادمًا لامرأة وقد حق عليه أن يتصف هو بالفضائل الملائكية.
فتشت في كل مكان فما رأيت إلا مشترين يقلبون السلع وعيونهم تتدفق مكرًا،
ولكن أمكر هؤلاء الناس لا يتوصل في آخر الأمر إلا إلى ابتياع هرَّة يدسها في جلبابه.
إن ما تدعونه عشقًا إنما هو جنون يتتالى نوبة بعد نوبة حتى يجيء زواجكم خاتمًا هذه الحماقات بالحماقة المستقرة الكبرى.
ويا ليت حب الرجل للمرأة وحب المرأة للرجل كانا إشفاقًا يتبادله إلهان يتألمان،
ولكن هذا الحب لا يتجلى في الغالب إلا تفاهمًا بين إحساس حيوانين.
وما خير الحب لو تعلمون إلا تحولٌ واضطرام في ألم وخشوع،
إنْ هو إلا المشعل ينير أمامكم مسالك الاعتلاء،
وسيأتي يوم يتجه فيه حبكم إلى مقر أبعد وأرفع من مستقر ذاتكم،
لقد بدأتم بتعلم الحب؛
لذلك ترتشفون الآن المرارة الطافية كالحبَب على كأسه.
إن في كأس كل حب إطلاقًا،
وحتى في كأس أرقى حب مرارة لا بد لكم من تجرعها،
وهذه المرارة هي التي تنبه فيكم الشوق إلى الإنسان المتفوق وتلهب فيكم الظمأ إليه،
أيها المبدعون،
إذا كان هذا الظمأ هو الذي يدفع بك إلى طلب الزواج يا أخي،
وإذا كنت تشعر بشوقك يندفع كالسهم نحو الإنسان المتفوق،
فإنني أقدس إرادتك وأقدس زواجك».
ــــــــــــــــــــــــــ
ت. – فليكس فارس.
فريدريك نيتشه،
هكذا تكلم زرادشت (ط١؛ القاهرة: مؤسسة هنداوي، ٢٠١٤)، ص٨٩،٩٠،٩١.
962 viewsedited 17:57